للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَجْرَى اللَّهُ أَمرَ الْحِسَابِ يَوْمَ الْبَعْثِ عَلَى ذَلِكَ السَّنَنِ الشَّرِيفِ. وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِ كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِهِمُ الْعِقَابَ لِأَنَّ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ جَرِيمَةٌ.

وَالْإِتْيَانُ بِفِعْلِ الْكَوْنِ وَبِالْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِافْتِرَاءَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَكَانَ مُتَجَدِّدًا وَمُسْتَمِرًّا مِنْهُمْ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: عَمَّا تَفْتَرُونَ، وعمّا افتريتم.

[٥٧]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٥٧]

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (٥٧)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَجْعَلُونَ لِما لَا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ [سُورَة النَّحْل:

٥٦] .

هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَهِيَ نِعْمَةُ النَّسْلِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، أَيْ مَا يَشْتَهُونَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الذُّرِّيَّةِ.

وَأُدْمِجَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا الِامْتِنَانِ ذِكْرُ ضَرْبٍ شَنِيعٍ مِنْ ضُرُوبِ كُفْرِهِمْ. وَهُوَ

افْتِرَاؤُهُمْ: أَنْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [سُورَة الصافات: ١٥٨] . وَهُوَ اعْتِقَادُ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ.

وَالْجَعْلُ: هُنَا النِّسْبَةُ بِالْقَوْلِ.

وسُبْحانَهُ مَصْدَرٌ نَائِبٌ عَنِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ جُمْلَةٍ مُعْتَرِضَةٍ وَقَعَتْ جَوَابًا عَنْ مَقَالَتِهِمُ السَّيِّئَةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا حِكَايَةُ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ إِذِ الْجَعْلُ فِيهِ جعل بالْقَوْل، فَقَوْلُهُ: سُبْحانَهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: حَاشَ لِلَّهِ وَمَعَاذَ اللَّهِ، أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِك.

وَإِنَّا قُدِّمَ سُبْحانَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ لِيَكُونَ نَصًّا فِي أَنَّ التَّنْزِيهَ عَنْ هَذَا الْجَعْلِ لِذَاتِهِ وَهُوَ نِسْبَةُ الْبُنُوَّةِ لِلَّهِ، لَا عَنْ جَعْلِهِمْ لَهُ خُصُوصَ الْبَنَاتِ دُونَ الذُّكُورِ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ فَظَاعَةً، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ