للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٢- ٤]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٢ الى ٤]

اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤)

اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ.

ابْتُدِئَ الْكَلَامُ بِمُسْنَدٍ إِلَيْهِ خَبَرُهُ فِعْلِيٌّ: لِإِفَادَةِ تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ اهْتِمَامًا بِهِ.

وَجِيءَ بِالِاسْمِ الْعَلَمِ: لِتَرْبِيَةِ الْمَهَابَةِ عِنْدَ سَمَاعِهِ، ثُمَّ أَرْدَفَ بِجُمْلَةِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً أَوْ حَالِيَّةً، رَدًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَعَلَى النَّصَارَى خَاصَّةً. وَأُتْبِعَ بِالْوَصْفَيْنِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لِنَفْيِ اللَّبْسِ عَنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ، وَالْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ انْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَسْتَأْهِلُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ غَيْرُ قَيُّومٍ، فَالْأَصْنَامُ لَا حَيَاةَ لَهَا، وَعِيسَى فِي اعْتِقَادِ النَّصَارَى قَدْ أُمِيتَ، فَمَا هُوَ الْآنَ بِقَيُّومٍ وَلَا هُوَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِقَيُّومٍ عَلَى تَدْبِيرِ الْعَالَمِ، وَكَيْفَ وَقَدْ أُوذِيَ فِي اللَّهِ، وَكُذِّبَ، وَاخْتَفَى مِنْ أَعْدَائِهِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْحَيُّ الْقَيُّومُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ.

وَقَوْلُهُ: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ. وَالْخَبَرُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الِامْتِنَانِ، أَوْ هُوَ تَعْرِيضٌ وَنِكَايَةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: الَّذِينَ أَنْكَرُوا ذَلِكَ. وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ فِعْلًا لِإِفَادَةِ تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ، أَوْ لِلدَّلَالَةِ- مَعَ ذَلِكَ- عَلَى الِاخْتِصَاصِ: أَيِ اللَّهُ لَا غَيْرُهُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِبْطَالًا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْطَانِ، أَوْ مِنْ طَرَائِقِ الْكِهَانَةِ، أَوْ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.

وَالتَّضْعِيفُ فِي نَزَّلَ لِلتَّعْدِيَةِ فَهُوَ يُسَاوِي الْهَمْزَ فِي أَنْزَلَ، وَإِنَّمَا التَّضْعِيفُ يُؤْذِنُ بِقُوَّةِ الْفِعْلِ فِي كَيْفِيَّتِهِ أَوْ كَمِّيَّتِهِ، فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِغَيْرِ التَّضْعِيفِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَدْ أَتَوْا بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، كَقَوْلِهِمْ: فَسَرَ وَفَسَّرَ، وَفَرَقَ وَفَرَّقَ، وَكَسَرَ وَكَسَّرَ، كَمَا أَتَوْا بِأَفْعَالٍ قَاصِرَةٍ بِصِيغَةِ الْمُضَاعَفَةِ، دُونَ تَعْدِيَةٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّةِ الْفِعْلِ، كَمَا قَالُوا: مَاتَ وَمَوَّتَ وَصَاحَ وَصَيَّحَ. فَإِمَّا إِذَا صَارَ التَّضْعِيفُ لِلتَّعْدِيَةِ فَلَا أُوقِنُ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَقْوِيَةِ الْفِعْلِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعُدُولَ عَنِ التَّعْدِيَةِ بِالْهَمْزِ، إِلَى التَّعْدِيَةِ بِالتَّضْعِيفِ، لِقَصْدِ مَا عُهِدَ فِي التَّضْعِيفِ مِنْ تَقْوِيَةِ مَعْنَى الْفِعْلِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: