للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- ٧٥٩ -

يتَعَرَّض لَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَالْفُقَهَاء من الْبَحْث فِي حُرْمَة خِنْزِير المَاء وَهِي مَسْأَلَة فارغة إِذْ أَسمَاء أَنْوَاع الْحُوت روعيت فِيهَا المشابهة كَمَا سموا بعض الْحُوت فرس الْبَحْر وَبَعضه حمام الْبَحْر وكلب الْبَحْر، فَكيف يَقُول أحد بتأثير الْأَسْمَاء والألقاب فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة؟ وَفِي الْمُدَوَّنَة توقف مَالك أَن يُجيب فِي خِنْزِير المَاء وَقَالَ: أَنْتُم تَقولُونَ خِنْزِير. قَالَ ابْن شأش: رأى غير وَاحِد أَن توقف مَالك حَقِيقَة لعُمُوم {أحل لكم صيد الْبَحْر} عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَلحم الْخِنْزِير} وَرَأى بَعضهم أَنه غير مُتَوَقف فِيهِ حَقِيقَة، وَإِنَّمَا امْتنع من الْجَواب إنكارا عَلَيْهِم تسميتهم إِيَّاه خنزيرا وَلذَلِك قَالَ: أَنْتُم تسمونه خنزيرا؟ يَعْنِي أَن الْعَرَب لم يَكُونُوا يسمونه خنزيرا وَأَنه لَا يَنْبَغِي تَسْمِيَته خنزيرا، ثمَّ السُّؤَال عَن أكله حَتَّى يَقُول قَائِلُونَ: أكلُوا لحم الْخِنْزِير، أَي فَيرجع كَلَام مَالك إِلَى صون أَلْفَاظ الشَّرِيعَة أَلا يتلاعب بهَا، وَعَن أبي حنيفَة أَنه منع أكل خِنْزِير الْبَحْر غير مُتَرَدّد أخذا بِأَنَّهُ سمي خنزيرا، وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ وَهُوَ الْمَعْرُوف بِصَاحِب الرَّأْي، وَمن أَيْن لنا أَلا يكون لذَلِك الْحُوت اسْم آخر فِي لُغَة بعض الْعَرَب فَيكون أكله محرما على فريق ومباحا لفريق؟

موقفه من النّسخ:

وَهُوَ يَقُول بالنسخ وَله فِي تفاصيله تفردات وَمن ذَلِك قَوْله مُعَللا بَقَاء تِلَاوَة الْمَنْسُوخ حكما:

وَقد بدا لي دَلِيل قوي على هَذَا وَهُوَ بَقَاء الْآيَات الَّتِي نسخ حكمهَا وَبقيت متلوة من الْقُرْآن ومكتوبة فِي الْمَصَاحِف فَإِنَّهَا لما نسخ حكمهَا لم يبْق وَجه لبَقَاء تلاوتها وكتبها فِي الْمَصَاحِف إِلَّا مَا فِي مِقْدَار مجموعها من البلاغة بِحَيْثُ يلتئم مِنْهَا مِقْدَار ثَلَاث آيَات متحدى بالإتيان بِمِثْلِهَا مِثَال ذَلِك آيَة الْوَصِيَّة فِي سُورَة الْعُقُود. وَمن كَلَامه فِي النّسخ قَوْله:

وَقد اتّفق عُلَمَاء الْإِسْلَام على أَن الْوَصِيَّة لَا تكون لوَارث لما رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن عَن عَمْرو بن خَارِجَة وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد