للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ لَمْ يَجْعَلْ فِيهِ نَقْصَ الْبَاطِلِ وَالْخَطَأِ، فَالْقَيِّمَةُ مُبَالَغَةٌ فِي الْقَائِمِ مِثْلَ السَّيِّدِ للسائد وَالْمَيِّت للمائت.

وَتَأْنِيثُ الْوَصْفِ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَصفا لجمع.

[٤]

[سُورَة الْبَيِّنَة (٩٨) : آيَة ٤]

وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)

ارْتِقَاءً فِي الْإِبْطَالِ وَهُوَ إِبْطَالٌ ثَانٍ لِدَعْوَاهُمْ بِطَرِيقِ النَّقْضِ الْجَدَلِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُعَارَضَةِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِمَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْمَدْلُولِ، وَهَذَا إِبْطَالٌ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلِذَلِكَ أَظْهَرَ فَاعِلَ تَفَرَّقَ وَلَمْ يَقُلْ: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، إِذْ لَوْ أَضْمَرَ لَتُوُهِّمَتْ إِرَادَةُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ جُمْلَةِ مَعَادِ الضَّمِيرِ، بَعْدَ أَنْ أَبْطَلَ زَعْمَهُمْ بِقَوْلِهِ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً [الْبَيِّنَة: ٢] ارْتَقَى إِلَى إِبْطَالِ مَزَاعِمِهِمْ إِبْطَالًا مَشُوبًا بِالتَّكْذِيبِ وَبِشَهَادَةِ مَا حَصَلَ فِي الْأَزْمَانِ الْمَاضِيَةِ.

فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَاطِفَةً إِبْطَالًا عَلَى إِبْطَالٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْحَالِ.

وَالْمَعْنَى: كَيْفَ يَزْعُمُونَ أَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ من الدَّين مغيّا بِوَقْتِ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ جَاءَتْهُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ قَبْلِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ بَيِّنَةُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَفَرَّقُوا فِي الْإِيمَانِ بِهِ فَنَشَأَ مِنْ تَفَرُّقِهِمْ حُدُوثُ مِلَّتَيْنِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ.

وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ مَجِيءُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ كَمَا وَعَدَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ أَمْثَالَ إِلْيَاسَ وَالْيَسَعَ وَأَشْعِيَاءَ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْيَهُودُ عَلَى النَّبِيءِ الْمَوْعُودِ بِهِ تَجْدِيدُ الدِّينِ الْحَقِّ وَكَانُوا مُنْتَظِرِينَ الْمُخَلِّصَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ عِيسَى كَذَّبُوهُ، أَيْ فَلَا يَطْمَعُ فِي صِدْقِهِمْ فِيمَا زَعَمُوا مِنِ انْتِظَارِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ عِيسَى وَهُمْ قَدْ كَذَّبُوا بِبَيِّنَةِ عِيسَى، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجُحُودَ وَالْعِنَادَ شَنْشَنَةٌ فِيهِمْ مَعْرُوفَةٌ.

وَالْمُرَادُ بالتفرق: تفرق بني إِسْرَائِيلَ بَيْنَ مُكَذِّبٍ لِعِيسَى وَمُؤْمِنٍ بِهِ وَمَا آمَنَ بِهِ إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ مِنَ الْيَهُودِ.