وَفِي تَأْخِيرِ جُمْلَةِ: وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ عَنْ جُمْلَةِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ طَمْأَنَةٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يُنْجِيهِمْ مِمَّا تَوَعَّدَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا نَجَّى الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ مِنْ ثَمُودَ وَهُمْ صَالِحٌ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ. وَقِيلَ: كَانَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَ صَالِحٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِهْلَاكَ ثَمُودَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى صَالِحٍ أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فَخَرَجُوا وَنَزَلُوا فِي مَوْضِعِ الرَّسِّ فَكَانَ أَصْحَابُ الرَّسِّ مِنْ ذُرِّيَّاتِهِمْ. وَقيل: نزلُوا شاطىء الْيَمَنِ وَبَنَوْا مَدِينَةَ حَضْرَمَوْتَ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ صَالِحًا نَزَلَ بِفِلَسْطِينَ. وَكُلُّهَا أَخْبَارٌ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا.
وَزِيَادَةُ فِعْلِ الْكَوْنِ فِي وَكانُوا يَتَّقُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ من التَّقْوَى.
[٥٤، ٥٥]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : الْآيَات ٥٤ إِلَى ٥٥]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥)
عَطَفَ لُوطاً عَلَى صالِحاً فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً [النَّمْل: ٤٥] . وَلَا يَمْنَعُ مِنَ الْعَطْفِ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ: إِلى ثَمُودَ لِأَنَّ الْمَجْرُورَ لَيْسَ قَيْدًا لِمُتَعَلَّقِهِ، وَلَكِنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنَ الْمَفَاعِيلِ فَلَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِالْمَعْطُوفِ عَلَى مَفْعُولٍ آخَرَ. فَإِنَّ الْإِتْبَاعَ فِي الْإِعْرَابِ يُمَيِّزُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. وَلَمْ يُذْكَرِ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ هُنَا كَمَا ذُكِرَ فِي قِصَّةِ ثَمُودَ لِعَدَمِ تَمَامِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ قَوْمِ لُوطٍ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِيمَا عَدَا التَّكْذِيبَ وَالشِّرْكَ. وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ وَلُوطاً بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ لُوطًا، لِأَنَّ وُجُودَ إِذْ بَعْدَهُ يُقَرِّبُهُ مِنْ نَحْوِ: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [الْبَقَرَة: ٣٠] .
وَتَعْقِيبُ قِصَّةِ ثَمُودَ بِقِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ جَارٍ عَلَى مُعْتَادِ الْقُرْآنِ فِي تَرْتِيبِ قِصَصِ هَذِهِ الْأُمَمِ، فَإِنَّ قَوْمَ لُوطٍ كَانُوا مُتَأَخِّرِينَ فِي الزَّمَنِ عَنْ ثَمُودَ.
وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَثِيرُ سُؤَالًا هُنَا هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى قِصَّةِ قَوْمِ لُوطٍ دُونَ قِصَّةِ عَادٍ وَقِصَّةِ مَدْيَنَ. وَقَدْ بَيَّنْتُهُ آنِفًا أَنَّهُ لِمُنَاسَبَةٍ مُجَاوِرَةِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ لِمَمْلَكَةِ سُلَيْمَانَ وَوُقُوعِهَا بَيْنَ دِيَارِ ثَمُودَ وَبَيْنَ فِلَسْطِينَ وَكَانَتْ دِيَارُهُمْ مَمَرَّ قُرَيْشٍ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ، قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute