للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَرَادَ أَنْ يكون رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَالِبًا لِأَعْدَائِهِ وَذَلِكَ مِنْ آثَارِ قُدْرَةِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَغْلِبُهَا شَيْءٌ وَقَدْ كَتَبَ لِجَمِيعِ رُسُلِهِ الْغَلَبَةَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَغَلَبَتُهُمْ مِنْ غَلَبَةِ اللَّهِ إِذْ قُدْرَةُ اللَّهِ تَتَعَلَّقُ بِالْأَشْيَاءِ على وفْق إِرَادَته وَإِرَادَة اللَّهِ لَا يُغَيِّرُهَا شَيْءٌ، وَالْإِرَادَةُ تَجْرِي عَلَى وَفْقِ الْعِلْمِ وَمَجْمُوعُ تَوَارُدِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَوْجُودِ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْقَضَاءِ. وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ هُنَا بِ كَتَبَ اللَّهُ لِأَنَّ الْكِتَابَة استعيرت الْمَعْنى: قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ وَأَرَادَ وُقُوعَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي عَلِمَهُ وَأَرَادَهُ فَهُوَ مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ لَا يَتَخَلَّفُ مِثْلُ الْأَمْرِ الَّذِي يُرَادُ ضَبْطُهُ وَعَدَمُ الْإِخْلَالِ بِهِ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لِكَيْ لَا يُنْسَى وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يُجْحَدَ التَّرَاضِي عَلَيْهِ.

فَثَبت لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَلَبَةُ لِشِمُولِ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لِرُسُلِهِ إِيَّاهُ وَهَذَا إِثْبَاتٌ لِغَلَبَةِ رَسُولِهِ أَقْوَامًا يُحَادُّونَهُ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ.

فَجُمْلَةُ لَأَغْلِبَنَّ مَصُوغَةٌ صِيغَةُ الْقَوْلِ تَرْشِيحًا لِاسْتِعَارَةِ كَتَبَ إِلَى مَعْنَى قَضَى وَقَدَّرَ. وَالْمَعْنَى: قَضَى مَدْلُولَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ، أَيْ قَضَى بِالْغَلَبَةِ لله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ الْمَكْتُوبَةُ مِنَ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ: الْغَلَبَةُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّهْدِيدِ.

وَأَمَّا الْغَلَبَةُ بِالْحُجَّةِ فَأَمْرٌ مَعْلُومٌ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ لَأَغْلِبَنَّ لِأَنَّ الَّذِي يُغَالِبُ الْغَالِبَ مَغْلُوبٌ. قَالَ حَسَّانُ:

زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّهَا ... وَلْيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ

[٢٢]

[سُورَة المجادلة (٥٨) : آيَة ٢٢]

لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)

لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.

كَانَ لِلْمُنَافِقِينَ قَرَابَةٌ بِكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَاب النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ نِفَاقُهُمْ لَا يَخْفَى عَلَى بَعْضِهِمْ، فَحَذَّرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْخَالِصِينَ مِنْ مُوَادَّةِ مَنْ يُعَادِي الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرُوِيَتْ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ مُتَفَاوِتَةٍ قُوَّةَ أَسَانِيدَ اسْتَقْصَاهَا الْقُرْطُبِيُّ فِي نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ