للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الطّور (٥٢) : الْآيَات ٣٣ إِلَى ٣٤]

أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤)

انْتِقَالٌ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ [الطّور: ٣٠] إِلَخْ. وَهَذَا حِكَايَةٌ لِإِنْكَارِهِمْ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ تَقَوَّلَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اللَّهِ، فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ لِقَوْلِهِمْ، وَهُمْ قَدْ أَكْثَرُوا من الطعْن وتمالؤوا عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي حِكَايَتِهِ عَنْهُمْ بِصِيغَةِ يَقُولُونَ الْمُفِيدَةِ لِلتَّجَدُّدِ.

وَالتَّقَوُّلُ: نِسْبَةُ كَلَامٍ إِلَى أَحَدٍ لَمْ يَقُلْهُ، وَيَتَعَدَّى إِلَى الْكَلَامِ بِنَفْسِهِ وَيَتَعَدَّى إِلَى مَنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ بِحَرْفِ (عَلَى) ، قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [الحاقة: ٤٤، ٤٥] الْآيَةَ. وَضَمِيرُ النَّصْبِ فِي تَقَوَّلَهُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمَقَامِ.

وَابْتُدِئَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ لِتَعْجِيلِ تَكْذِيبِهِمْ قَبْلَ الْإِدْلَاءِ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَلِيَكُونَ وُرُودُ الِاسْتِدْلَالِ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ: لَا يُؤْمِنُونَ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلٍ ثَانٍ. وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُونَ: أَنَّ دَلَائِلَ تَنْزِيهِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَقَوُّلِ الْقُرْآنِ بَيِّنَةٌ لَدَيْهِمْ وَلَكِنَّ الزَّاعِمِينَ ذَلِكَ يَأْبَوْنَ الْإِيمَانَ فَهُمْ يُبَادِرُونَ إِلَى الطَّعْنِ دُونَ نَظَرٍ وَيُلْقُونَ الْمَعَاذِيرَ سَتْرًا لِمُكَابَرَتِهِمْ.

وَلَمَّا كَانَتْ مَقَالَتُهُمْ هَذِهِ طَعْنًا فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ تَقَوَّلَ عَلَى اللَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ قَدْ تَرُوجُ عَلَى الدَّهْمَاءِ تَصَدَّى الْقُرْآنُ لِبَيَانِ إِبْطَالِهَا بِأَنْ تَحَدَّاهُمْ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ

كانُوا صادِقِينَ

أَيْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَوَّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَيْ فَعَجْزُهُمْ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ.

وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ الْعَرَبِ وَهُوَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِمْ. فَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَهَ وَبَيْنَهُمْ فِي الْمَقْدِرَةِ عَلَى نَظْمِ الْكَلَامِ ثَابِتَةٌ، فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ قَدْ قَالَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ بَعْضُ خَاصَّةِ الْعَرَبِ الْبُلَغَاءِ قَادِرًا عَلَى تَأْلِيفِ مِثْلِهِ، فَلَمَّا تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ الْقُرْآنِ وَفِيهِمْ بُلَغَاؤُهُمْ وَشُعَرَاؤُهُمْ وَكَلِمَتُهُمْ وَكُلُّهُمْ وَاحِدٌ فِي الْكُفْرِ كَانَ عَجْزُهُمْ