[سُورَة النَّجْم (٥٣) : الْآيَات ٥٩ إِلَى ٦١]
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)
تَفْرِيعٌ عَلَى هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى [النَّجْم: ٥٦] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَبُيِّنَ بِهِ مِنْ بَيَانٍ أَوْ صِفَةٍ، فُرِّعَ عَلَيْهِ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ.
وَالْحَدِيثُ: الْكَلَامُ وَالْخَبَرُ.
وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذَكَرَ مِنَ الْإِنْذَارِ بِأَخْبَارِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ بَعْضُ الْقُرْآنِ بِمَا فِي قَوْلِهِ: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ [الْوَاقِعَة: ٨١] .
وَمَعْنَى الْعَجَبِ هُنَا الِاسْتِبْعَادُ وَالْإِحَالَةُ كَقَوْلِهِ: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود: ٧٣] ، أَوْ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِنْكَارِ.
وَالضَّحِكُ: ضَحِكُ الِاسْتِهْزَاءِ.
وَالْبُكَاءُ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الْإِسْرَاء: ١٠٩] .
وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَيْثُ حَلُّوا بِحِجْرِ ثَمُودَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ»
، أَي
ضارعين الله أَنْ لَا يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُم أَو خاشين أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ.
وَالْمَعْنَى: وَلَا تَخْشَوْنَ سُوءَ عَذَابِ الْإِشْرَاكِ فَتُقْلِعُوا عَنْهُ.
وسامِدُونَ: مِنَ السُّمُودِ وَهُوَ مَا فِي الْمَرْءِ مِنَ الْإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ، يُقَالُ: سَمَدَ الْبَعِيرُ، إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فِي سَيْرِهِ، مُثِّلَ بِهِ حَالُ الْمُتَكَبِّرِ الْمُعْرِضِ عَنِ النُّصْحِ الْمُعْجَبِ بِمَا هُوَ فِيهِ بِحَالِ الْبَعِيرِ فِي نَشَاطِهِ.
وَقِيلَ السُّمُودُ: الْغِنَاءُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ. وَالْمَعْنَى: فَرِحُونَ بِأَنْفُسِكُمْ تَتَغَنَّوْنَ بِالْأَغَانِي لِقِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ بِمَا تَسْمَعُونَ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً [الْأَنْفَال: ٣٥] عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْنِ.