للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَفِي قَوْلِهِ: اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا اسْتِعَارَتَانِ لِأَنَّ السَّبِيلَ مُسْتَعَارٌ لِسَبَبِ الْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ وَالزُّلْفَى.

وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: إِلى رَبِّهِ بِ سَبِيلًا، أَيْ سَبِيلًا مُبَلِّغَةً إِلَى اللَّهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْعُقَلَاءُ فِي شَرَفِ مَا يُوصِلُ إِلَى الرَّبِّ، أَيْ إِلَى إِكْرَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرَارَةُ الْخَيْرَاتِ وَلِذَلِكَ عُبِّرَ بِرَبٍّ مُضَافًا إِلَى ضمير فَمَنْ شاءَ إِذْ سَعَادَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُظْوَةِ عِنْدَ رَبِّهِ.

وَهَذِهِ السَّبِيلُ هِيَ التَّوْبَةُ فَالتَّائِبُ مِثْلُ الَّذِي كَانَ ضَالًّا، أَوْ آبِقًا فَاهْتَدَى إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا إِلَى مَقْصِدِهِ، أَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ إِلَى مَوْلَاهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَة المزمل.

[٣٠]

[سُورَة الْإِنْسَان (٧٦) : آيَة ٣٠]

وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠)

لَمَّا نَاطَ اخْتِيَارَهُمْ سَبِيلَ مَرْضَاةِ اللَّهِ بِمَشِيئَتِهِمْ أَعْقَبَهُ بِالتَّنْبِيهِ إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى طَلَبِ

مَرْضَاةِ اللَّهِ لِلتَّوَسُّلِ بِرِضَاهُ إِلَى تَيْسِيرِ سُلُوكِ سُبُلِ الْخَيْرِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مِنْهُ بِمَحَلِّ الرِّضَى وَالْعِنَايَةِ لَطَفَ بِهِمْ وَيَسَّرَ لَهُمْ مَا يَعْسُرُ عَلَى النُّفُوسِ مِنَ الْمُصَابَرَةِ عَلَى تَرْكِ الشَّهَوَاتِ الْمُهْلِكَةِ، قَالَ تَعَالَى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى [اللَّيْل: ٧] فَإِذَا لَمْ يَسْعَوْا إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّهِمْ وَكَلَهُمْ إِلَى أَحْوَالِهِمُ الَّتِي تَعَوَّدُوهَا فَاقْتَحَمَتْ بِهِمْ مَهَامِهَ الْعِمَايَةِ إِذْ هُمْ مَحْفُوفُونَ بِأَسْبَابِ الضَّلَالِ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ جِبِلَّاتُهُمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالِانْدِفَاعِ مَعَ عَصَائِبِ الضَّلَالَاتِ، وَهُوَ الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى [اللَّيْل: ١٠] ، أَيْ نَتْرُكُهُ وَشَأْنَهُ فَتَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ الْعُسْرَى، أَيْ تَلْحَقُ بِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ وَمُجَاهَدَةٍ.

فجملة وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا [الْإِنْسَان: ٢٩] أَوْ حَالًا مِنْ مَنْ يَشاءُ [الْإِنْسَان: ٣١] وَهِيَ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ تَتْمِيمٌ وَاحْتِرَاسٌ.

وَحُذِفَ مَفْعُولُ تَشَاءُونَ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا تَشَاءُونَ شَيْئًا أَوْ