للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَهُوَ خَيْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ: من أَرَادَ إطْعَام مَعَ الصِّيَامِ، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: مَنْ زَادَ فِي الْإِطْعَامِ عَلَى الْمُدِّ وَهُوَ بَعِيدٌ إِذْ لَيْسَ الْمُدُّ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْآيَةِ، وَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خُبْزًا وَلَحْمًا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ حِينَ شَاخَ.

وخَيْرٌ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالْأَوَّلِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ خَيْرًا آخَرَ أَيْ خَيْرَ الْآخِرَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَيْرٌ الثَّانِي تَفْضِيلًا أَيْ فَالتَّطَوُّعُ بِالزِّيَادَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهَا وَحَذَفَ الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ لِظُهُورِهِ.

وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ نَازِلًا فِي إِبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْقَادِرِ فَقَوْلُهُ: وَأَنْ تَصُومُوا تَرْغِيبٌ فِي الصَّوْمِ وَتَأْنِيسٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا فِي إِبَاحَتِهِ لِصَاحِبِ الْمَشَقَّةِ كَالْهَرِمِ فَكَذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً وَمَا بَعْدَهُ، فَيَكُونُ تَفْضِيلًا لِلصَّوْمِ عَلَى الْفِطْرِ إِلَّا أَنَّ هَذَا فِي السَّفَرِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ وَأَمَّا فِي الْمَرَضِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بِحَسَبِ شِدَّةِ الْمَرَضِ.

وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ تَذْيِيلٌ أَيْ تَعْلَمُونَ فَوَائِدَ الصَّوْمِ عَلَى رُجُوعِهِ لِقَوْلِهِ:

وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمُ الْقَادِرِينَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَوَائِدَ الصَّوْمِ دُنْيَا وَثَوَابَهُ أُخْرَى، أَوْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ثَوَابَهُ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ الْأُخَرِ. وَجِيءَ فِي الشَّرْطِ بِكَلِمَةِ (إِنْ) لِأَنَّ عِلْمَهُمْ بِالْأَمْرَيْنِ مِنْ شَأْنِهِ أَلَّا يَكُونَ مُحَقَّقًا لِخَفَاءِ الْفَائِدَتَيْنِ.

[١٨٥]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ١٨٥]

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ.

قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ تَكْمِلَةٌ لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَأَنْ لَا نَسْخَ فِي خِلَالِ هَاتِهِ الْآيَاتِ، فَقَوْلُهُ: شَهْرُ رَمَضانَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هِيَ أَيِ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَالْجُمْلَةُ