للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانِيًّا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ [الْبَقَرَة: ١٨٤] يُثِيرُ سُؤَالَ السَّامِعِ عَنْ تَعْيِينِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٍ شَهْرًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَيَّاماً: بَدَلَ تَفْصِيلٍ.

وَحَذْفُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ إِذَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ مَا فِيهِ تَفْصِيلٌ وَتَبْيِينٌ لِأَحْوَالِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فَهُمْ يَحْذِفُونَ ضَمِيرَهُ، وَإِذَا جَوَّزْتَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ نَسْخًا لِصَدْرِ الْآيَةِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ هِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ شَهْرُ رَمَضَان مُبْتَدأ خبرهم قَوْلُهُ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَاقْتِرَانُ الْخَبَرِ بِالْفَاءِ حِينَئِذٍ مُرَاعَاةٌ لِوَصْفِ الْمُبْتَدَأِ بِالْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ شَبِيهٌ بِالشَّرْطِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ، أَوْ عَلَى زِيَادَةِ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ:

وَقَائِلَةٍ خَوْلَانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ (١) أَنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ، وَكِلَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفٌ.

وَالشَّهْرُ جُزْءٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ تَقْسِيمِ السَّنَةِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [التَّوْبَة: ٣٦] وَالشَّهْرُ يَبْتَدِئُ مِنْ ظُهُورِ الْهِلَالِ إِلَى الْمُحَاقِ ثُمَّ ظُهُورِ الْهِلَالِ مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الشُّهْرَةِ لِأَنَّ الْهِلَالَ يَظْهَرُ لَهُمْ فَيُشْهِرُونَهُ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَثْبُتُ الشَّهْرُ عِنْدَهُمْ.

وَرَمَضَانُ عَلَمٌ وَلَيْسَ مَنْقُولًا إِذْ لَمْ يُسْمَعْ مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ الْفَعْلَانِ مِنْ رَمِضَ بِكَسْرِ الْمِيمِ إِذَا احْتَرَقَ لِأَنَّ الْفَعْلَانَ، يَدُلُّ عَلَى الِاضْطِرَابِ وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا، وَقِيلَ هُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْمَصْدَرِ. وَرَمَضَانُ عَلَمٌ عَلَى الشَّهْرِ التَّاسِعِ مِنْ أَشْهُرِ السَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْقَمَرِيَّةِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالْمُحَرَّمِ فَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَفْتَتِحُونَ أَشْهُرَ الْعَامِ بِالْمُحَرَّمِ لِأَنَّ نِهَايَةَ الْعَامِ عِنْدَهُمْ هِيَ

انْقِضَاءُ الْحَجِّ وَمُدَّةُ الرُّجُوعِ إِلَى آفَاقِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَبَيْدًا جَعَلَ جُمَادَى الثَّانِيَةَ وَهُوَ نِهَايَةُ فَصْلِ الشِّتَاءِ شَهْرًا سَادِسًا إِذْ قَالَ:

حَتَّى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً ... جُزْءًا فَطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا

وَرَمَضَانُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّمْضَاءِ وَهِيَ الْحَرَارَةُ لِأَنَّ رَمَضَانَ أَوَّلُ أَشْهُرِ الْحَرَارَةِ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنَ النَّسِيءِ فِي السَّنَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ إِذْ كَانَتِ


(١) تَمَامه:
وأكرومة الحيّين خلو كَمَا هيا