للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الصافات (٣٧) : الْآيَات ٤٠ إِلَى ٤٩]

إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤)

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)

اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ، وَالِاسْتِدْرَاكُ تَعْقِيبُ الْكَلَامِ بِمَا يُضَادُّهُ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ تَعْقِيبٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ [الصافات: ٣٣] فَإِنَّ حَالَ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ تَامُّ الضِّدَّيَّةِ لِحَالِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الِاسْتِدْرَاكِ أَنْ يَكُونَ رَفْعَ تَوَهُّمٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ غَالِبٌ، فَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ هُوَ: تَعْقِيبُ الْكَلَامِ بِرَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ ثُبُوتُهُ أَوْ نَفْيُهُ، تَعْرِيفٌ أَغْلَبِيٌّ، أَوْ أُرِيدَ أَدْنَى التَّوَهُّمِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ إِخْرَاجًا مِنْ حُكْمٍ لَا مِنْ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ ضَرُورَةً أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمُنْقَطِعِ قَائِمٌ مَقَامَ لَكِنْ، وَلِذَلِكَ يَقْتَصِرُونَ عَلَى ذِكْرِ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُسْتَثْنَى بَلْ يُرْدِفُونَهُ بِجُمْلَةٍ تُبَيِّنُ مَحَلَّ الِاسْتِدْرَاكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

[الْأَعْرَاف: ١١] وَقَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى [الْبَقَرَة: ٣٤] ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ هُنَا: إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لَمَا أَتْبَعَ الْمُسْتَثْنَى بِإِخْبَارٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُثْبِتُ لَهُ نَقِيضَ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُفَادُ إِلَّا، وَنَظِيرُهُ مَعَ لكِنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ [١٩، ٢٠] .

وَذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ بِوَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ الْمُضَافَةِ لِلَّهِ تَعَالَى تَنْوِيهٌ بِهِمْ وَتَقْرِيبٌ، وَذَلِكَ اصْطِلَاحٌ

غَالِبٌ فِي الْقُرْآنِ فِي إِطْلَاقِ الْعَبْدِ وَالْعِبَادِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص: ١٧] وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ [ص: ٤٥] يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف: ٦٨] ، وَرُبَّمَا أُطْلِقَ الْعَبْدُ غَيْرَ مُضَافٍ مُرَادًا بِهِ التَّقْرِيبَ أيْضًا كَقَوْلِهِ: وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ [ص: ٣٠] ، أَيِ الْعَبْدُ لِلَّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أُرِيدَ ذِكْرُ قَوْمٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُؤْتَ بِلَفْظِ الْعِبَادِ مُضَافًا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الْإِسْرَاء: ٥] إِلَّا