وَقَوْلُهُ: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ أَيْ جُنْدَهُ وَأَنْصَارَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَاتِهِ الْآيَةِ غَرَقَ فِرْعَوْنَ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِنَّةِ هُوَ إِهْلَاكُ الَّذِينَ كَانُوا الْمُبَاشِرِينَ لِتَسْخِيرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَعْذِيبِهِمْ وَالَّذِينَ هُمْ قُوَّةُ فِرْعَوْنَ وَقَدْ ذُكِرَ غَرَقُ فِرْعَوْنَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ «مَنْفِتَاحَ» وَيُقَالُ لَهُ «مَنْفِطَةُ» أَوْ «مِينِيتَاهْ» مِنْ فَرَاعِنَةِ الْعَائِلَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فِي تَرْتِيبِ فَرَاعِنَةِ مِصْرَ عِنْدَ الْمُؤَرِّخِينَ.
قَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنَ الْفَاعِلِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْجَلَالَةِ فِي فَرَقْنا وَأَنْجَيْنَا وأَغْرَقْنا مُقَيِّدَةٌ لِلْعَوَامِلِ الثَّلَاثَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ فِيهَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّنَازُعِ فِي الْحَالِ إِضْمَارٌ فِي الثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ إِعْمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَا تُضْمَرُ كَمَا لَا يُضْمَرُ فِي التَّنَازُعِ فِي الظَّرْفِ نَحْوَ سَكَنَ وَقَرَأَ عِنْدَكَ وَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا يُوجِبُ إِعْمَالَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْحَالُ زِيَادَةٌ فِي تَقْرِيرِ النِّعْمَةِ وَتَعْظِيمِهَا فَإِنَّ مُشَاهَدَةَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ لِلنِّعْمَةِ لَذَّةٌ عَظِيمَةٌ لَا سِيَّمَا وَمُشَاهَدَةَ إِغْرَاقِ الْعَدُوِّ أَيْضًا نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ كَمَا أَنَّ مُشَاهَدَةَ فَرْقِ الْبَحْرِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ مُشَاهَدَةِ مُعْجِزَةٍ تَزِيدُهُمْ إِيمَانًا وَحَادِثٍ لَا تَتَأَتَّى مُشَاهَدَتُهُ لِأَحَدٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ وَهُوَ (آلُ فِرْعَوْنَ) أَيْ تَنْظُرُونَهُمْ، وَمَفْعُولُ تَنْظُرُونَ مَحْذُوفٌ
وَلَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ. وَإِسْنَادُ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَسْلَافَهُمْ كَانُوا نَاظِرِينَ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى السَّلَفِ نِعْمَةٌ عَلَى الْأَبْنَاءِ لَا مَحَالَةَ فَضَمِيرُ الْخطاب مجَاز.
[٥١، ٥٢]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٥١ إِلَى ٥٢]
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢)
تَذْكِيرٌ لَهُمْ بِنِعْمَةِ عَفْوِ اللَّهِ عَنْ جُرْمِهِمُ الْعَظِيمِ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ مِمَّا فَعَلَهُ سَلَفُهُمْ، فَإِسْنَادُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ بِاعْتِبَارِ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنِ الْآبَاءِ مِنَّةٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَبْنَائِهِمْ يَجِبُ عَلَى الْأَبْنَاءِ الشُّكْرُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَة: ٤٠، ٤٧] .
وَوَقَعَ فِي «الْكَشَّاف» و «تَفْسِير الْبَغَوِيّ» و «تَفْسِير الْبَيْضَاوِيِّ» أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ مُوسَى أَنْ يُؤْتِيَهُ الشَّرِيعَةَ بَعْدَ أَنْ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ مَهْلِكِ فِرْعَوْنَ، وَهَذَا وَهْمٌ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute