[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٣٦]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٦)
اسْتِئْنَاف للتنويه بِسَدَادِ عَمَلِهِمْ: مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، وَقَبُولِ اللَّهِ مِنْهُمْ.
وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ صَارُوا أَحْرِيَاءَ بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ، لِأَجْلِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الَّتِي اسْتَوْجَبُوا الْإِشَارَةَ لِأَجْلِهَا.
وَهَذَا الْجَزَاءُ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ وَعْدٌ مِنَ الله تَعَالَى، تفضّلا مِنْهُ: بِأَنْ جَعَلَ الْإِقْلَاعَ عَنِ الْمَعَاصِي سَبَبًا فِي غُفْرَانِ مَا سَلَفَ مِنْهَا. وَأَمَّا الْجَنَّاتُ فَإِنَّمَا خَلَصَتْ لَهُمْ لِأَجْلِ الْمَغْفِرَةِ، وَلَوْ أُخِذُوا بِسَالِفِ ذُنُوبِهِمْ لَمَا اسْتَحَقُّوا الْجَنَّاتِ فَالْكُلُّ فَضْلٌ مِنْهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ تَذْيِيلٌ لِإِنْشَاءِ مَدْحِ الْجَزَاءِ. وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ هُوَ. وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى جُمْلَةِ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِخْبَارِ، وَهُوَ كثير فِي فَصِيحٌ الْكَلَامِ، وَسُمِّيَ الْجَزَاءُ أَجْرًا لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ وَعْدٍ لِلْعَامِلِ بِمَا عَمِلَ. وَالتَّعْرِيفُ فِي (الْعَامِلِينَ) لِلْعَهْدِ أَيْ: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ هَذَا الْجَزَاءُ، وَهَذَا تَفْضِيل لَهُ وَالْعَمَل الْمُجَازَى عَلَيْهِ أَيْ إِذَا كَانَ لِأَصْنَافِ الْعَامِلِينَ أُجُورٌ، كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ، فَهَذَا نِعْمَ الْأجر لعامل.
[١٣٧]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٣٧]
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ: تَمْهِيدٌ لِإِعَادَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَمَا بَيْنَهُمَا اسْتِطْرَادٌ، كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا، وَهَذَا مُقَدِّمَةُ التّسلية والبشارة الْآيَتَيْنِ. ابْتُدِئَتْ هَاتِهِ الْمُقَدِّمَةُ بِحَقِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ: وَهِيَ الِاعْتِبَارُ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute