ثُمَّ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا إِنْ لَمْ تَنْجَحِ الْمُصَالَحَةُ بَيْنَهُمَا فَأَذِنَ لَهُمَا فِي الْفِرَاقِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.
وَفِي قَوْلِهِ: يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لَهُمَا لِأَنَّ الْفِرَاقَ خَيْرٌ مِنْ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ. وَمَعْنَى إِغْنَاءِ اللَّهِ كُلًّا: إِغْنَاؤُهُ عَنِ الْآخَرِ. وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِغْنَاءَ اللَّهِ كُلًّا إِنَّمَا يَكُونُ عَنِ الْفِرَاقِ الْمَسْبُوقِ بِالسَّعْيِ فِي الصُّلْحِ.
وَقَوْلُهُ: وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً تَذْيِيلٌ وَتَنْهِيَةٌ لِلْكَلَامِ فِي حكم النِّسَاء.
[١٣١- ١٣٣]
[سُورَة النِّسَاء (٤) : الْآيَات ١٣١ إِلَى ١٣٣]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣)
جُمْلَةُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا الْمُتَضَمِّنَةِ التَّحْرِيضِ عَلَى التَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ وَإِصْلَاحِ الْأَعْمَالِ مِنْ قَوْلِهِ:
وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا [النِّسَاء: ١٢٨] وَقَوْلِهِ: وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا [النِّسَاء: ١٢٩] وَبَيْنَ جُمْلَةِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الْآيَةَ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَضَمَّنَتْ تَذْيِيلَاتٍ لِتِلْكَ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِمَا سَيُذْكَرُ بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَخْ لِأَنَّهَا دَلِيلٌ لِوُجُوبِ تَقْوَى اللَّهِ.
وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَالَّتِي سَبَقَتْهَا: وَهِيَ جُمْلَةُ يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النِّسَاء: ١٣٠] أَنَّ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُغْنِيَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ سَعَتِهِ. وَهَذَا تَمْجِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَتَذْكِيرٌ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَكِنَايَةٌ عَنْ عَظِيمِ سُلْطَانِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلتَّقْوَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute