للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسِيَاقُ الْكَلَامِ وَتَرْتِيبُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ مُجْتَمِعِينَ، وَلِذَلِكَ قُرِنَ ذِكْرُ دُعَائِهِمْ بِذِكْرِ تَحِيَّتِهِمْ، فَلَعَلَّهُمْ إِذَا تَرَاءَوُا ابْتَدَرُوا إِلَى الدُّعَاءِ بِالتَّسْبِيحِ فَإِذَا اقْتَرَبَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. ثُمَّ إِذَا رَامُوا الِافْتِرَاقَ خَتَمُوا دُعَاءَهُمْ بِالْحَمْدِ، فَأَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ لِآخِرِ دَعْوَاهُمْ، وَهِيَ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ آخِرَ الدُّعَاءِ هُوَ نَفْسُ الْكَلِمَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

وَقَدْ دَلَّ عَلَى فَضْلِ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ

قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَلِمَتَانِ حبيبتان إِلَى الرحمان

خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله الْعَظِيم»

. [١١]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ١١]

وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)

مَجِيءُ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ خُصُوصِيَّةً لِعَطْفِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا وَمَزِيدَ اتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا فَتَعَيَّنَ إِيضَاحُ مُنَاسَبَةِ مَوْقِعِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مِنْ غُرُورِهِمْ يَحْسَبُونَ تَصَرُّفَاتِ اللَّهِ كَتَصَرُّفَاتِ النَّاسِ مِنَ الِانْدِفَاعِ إِلَى الِانْتِقَامِ عِنْدَ الْغَضَبِ انْدِفَاعًا سَرِيعًا، وَيَحْسَبُونَ الرُّسُلَ مَبْعُوثِينَ لِإِظْهَارِ الْخَوَارِقِ وَنِكَايَةِ الْمُعَارِضِينَ لَهُمْ، وَيُسَوُّونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشَعْوِذِينَ وَالْمُتَحَدِّينَ بِالْبُطُولَةِ وَالْعَجَائِبِ، فَكَانُوا لَمَّا كَذَّبُوا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وركبوا رؤوسهم وَلَمْ تُصِبْهُمْ بِأَثَرِ ذَلِكَ مَصَائِبُ مِنْ عَذَابٍ شَامِلٍ أَوْ مُوتَانٍ عَامٍّ ازْدَادُوا غُرُورًا بِبَاطِلِهِمْ وَإِحَالَةً لِكَوْنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الْأَنْفَال: ٣٢] وَقَوْلِهِ: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ [الْحَج:

٤٧] وَقَوْلِهِ: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ [الذاريات: ٥٩] وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ.