للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَبَدْنَا الْأَصْنَامَ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَصَرف فِي شؤوننا وشؤون الْخَلَائِقِ لَكِنَّا عَبَدْنَا الْأَصْنَامَ بِدَلِيلِ الْمُشَاهَدَةِ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ.

وَقَدْ أُجِيبُوا عَنْ قَوْلِهِمْ بَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ وَلَا حُجَّةٌ عَلَى قِيَاسِهِمْ لِأَنَّ مُقَدَّمَ الْقِيَاسِ الِاسْتِثْنَائِيِّ وَهُوَ لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْتِبَاسِ الْمَشِيئَةِ التَّكْوِينِيَّةِ بِالْمَشِيئَةِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَكَانَ قِيَاسُهُمْ خَلِيًّا عَنِ الْعِلْمِ وَهُوَ الْيَقِينُ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: مَا لَهُمْ بِذلِكَ أَيْ بَقَوْلِهِمْ ذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ بَلْ هُوَ مِنْ جَهَالَةِ السَّفْسَطَةِ وَاللَّبْسِ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْكَلَامِ الْمَحْكِيِّ بَقَوْلِهِ: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ.

وَجُمْلَةُ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ.

وَالْخَرْصُ: التَّوَهُّمُ وَالظَّنُّ الَّذِي لَا حُجَّةَ فِيهِ قَالَ تَعَالَى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذاريات: ١٠] .

[٢١]

[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٢١]

أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١)

إِضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ، عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ مَا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ [الزخرف: ٢٠] فَبَعْدَ أَنْ نَفَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ [الزخرف: ٢٠] مُسْتَنِدًا إِلَى حُجَّةِ الْعَقْلِ، انْتَقَلَ إِلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا إِلَى حُجَّةِ النَّقْلِ عَنْ إِخْبَارِ الْعَالِمِ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ من شؤونه.

وَاجْتَلَبَ لِلْإِضْرَابِ حَرْفَ أَمْ دُونَ (بَلْ) لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ أَمْ مِنِ اسْتِفْهَامٍ بَعْدَهَا، وَهُوَ إِنْكَارِيٌّ. وَالْمَعْنَى: وَمَا آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ. وَضَمِيرُ مِنْ قَبْلِهِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف: ٤] .

وَفِي هَذَا ثَنَاءٌ ثَالِثٌ عَلَى الْقُرْآنِ ضِمْنِيٌّ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْحَقِّ الَّذِي يُسْتَمْسَكُ بِهِ.

وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِلتَّخَلُّصِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ [الزخرف:

٢٢] .

ومِنْ مَزِيدَةٌ لِتَوْكِيدِ مَعْنَى (قَبْلَ) . وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ (قَبْلَ) ضَمِيرُ