وَغَلَبَ النَّكْثُ فِي مَعْنَى النَّقْضِ الْمَعْنَوِيِّ كَإِبْطَالِ الْعَهْدِ.
وَالْكَلَامُ تَحْذِيرٌ مَنْ نَكْثِ هَذِهِ الْبَيْعَةِ وَتَفْظِيعٌ لَهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ. وَمُضَارِعُ يَنْكُثُ بِضَمِّ الْكَافِ فِي الْمَشْهُورِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ. وَمَعْنَى فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ:
أَنَّ نَكْثَهُ عَائِدٌ عَلَيْهِ بِالضُّرِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ عَلَى.
وإِنَّما لِلْقَصْرِ وَهُوَ لِقَصْرِ النَّكْثِ عَلَى مَدْلُولِ عَلى نَفْسِهِ لِيُرَادَ لَا يَضُرُّ بِنَكْثِهِ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا فَإِنَّ نَكْثَ الْعَهْدِ لَا يَخْلُو مِنْ قَصْدِ إِضْرَارٍ بِالْمَنْكُوثِ، فَجِيءَ بِقَصْرِ الْقَلْبِ لِقَلْبِ قَصْدِ النَّاكِثِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ على النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُقَالُ: أَوْفَى بِالْعَهْدِ وَهِيَ لُغَةُ تِهَامَةَ، وَيُقَالُ: وَفَّى بِدُونِ هَمْزٍ وَهِيَ لُغَةُ عَامَّةُ الْعَرَب، وَلم تَجِيء فِي الْقُرْآنِ إِلَّا الْأُولَى.
قَالُوا: وَلَمْ يَنْكُثْ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ.
وَالظَّاهِرُ عِنْدِي: أَنَّ سَبَبَ الْمُبَايَعَةِ قَدِ انْعَدَمَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ بَين النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَين أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا بَيْنَ سَاعَةِ الْبَيْعَةِ وَبَيْنَ انْعِقَادِ الْهُدْنَةِ وَحَصَلَ أَجْرُ الْإِيفَاءِ بِالنِّيَّةِ عَدَمُهُ لَوْ نَزَلَ مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ فَسَنُؤْتِيهِ بِنُونِ الْعَظَمَةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مِنَ الْغَيْبَة إِلَى التَّكَلُّم. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ عَائِدًا ضَمِيرُهُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ.
[١١]
[سُورَة الْفَتْح (٤٨) : آيَة ١١]
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
لَمَّا حَذَّرَ مِنَ النَّكْثِ وَرَغَّبَ فِي الْوَفَاءِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ التَّخَلُّفِ عَنْ الِانْضِمَامِ إِلَى جَيش النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ الْخُرُوجِ إِلَى عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الْأَعْرَابُ الَّذِينَ كَانُوا نَازِلِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ سِتُّ قَبَائِلَ: غِفَارُ وَمُزَيَّنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَشْجَعُ وَأَسْلَمُ وَالدَّيْلُ بَعْدَ أَنْ بَايَعُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ فَإِنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute