لَمَّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى الْعُمْرَةِ اسْتَنْفَرَ مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ مِنْهُمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ فَيَرْهَبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَلَا يَصُدُّوهُ عَنْ عُمْرَتِهِ فَتَثَاقَلَ أَكْثَرُهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ.
وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْعَةِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ مَنْ جُهَيْنَةَ وَخَرَجَ مَعَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَسْلَمَ مِائَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِرْدَاسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ وَالِدُ عَبَّاسٍ الشَّاعِرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَزَاهِرُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأُهْبَانُ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ- بْنُ أَوْسٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيُّ، وَمن غفار خفات- بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ- بْنُ أَيْمَاءَ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ- بَعْدَهَا تَحْتِيَّةً سَاكِنَةً، وَمَنْ مُزَيَّنَةَ عَائِذُ بْنُ عَمْرٍو. وَتَخَلَّفَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ مُعْظَمُهُمْ وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ، وَأَعَدُّوا لِلْمَعْذِرَةِ بَعْدَ رُجُوع النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ شَغَلَتْهُمْ أَمْوَالُهُمْ
وَأَهْلُوهُمْ، فَأَخْبَرَ الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا بَيَّتُوهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَفَضَحَ أَمْرَهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْتَذِرُوا.
وَهَذِهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي قَبْلَ وُقُوعِهِ.
فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْإِيفَاءِ وَالنَّكْثِ، فَكُمِّلَ بِذِكْرِ مَنْ تَخَلَّفُوا عَنِ الدَّاعِي لِلْعَهْدِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عِنْدَ مرجع النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُعْتَذِرِينَ كَاذِبِينَ فِي اعْتِذَارِهِمْ.
والمخلّفون بِفَتْحِ اللَّامِ هُمُ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا. وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمُ الْمُخَلَّفُونَ أَيْ غَيْرُهُمْ خَلَّفَهُمْ وَرَاءَهُ، أَيْ تَرَكَهُمْ خَلْفَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضٍ أَنَّهُمْ مَأْذُونٌ لَهُمْ بَلِ الْمُخَلَّفُ هُوَ الْمَتْرُوكُ مُطْلَقًا. يُقَالُ: خَلَّفْنَا فَلَانًا، إِذَا مَرُّوا بِهِ وَتَرَكُوهُ لِأَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا مِنْ قَبْلِ خُرُوج النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَذَرَهُمْ بِخِلَافِ الْأَعْرَابِ فَإِنَّهُمْ تَخَلَّفَ أَكْثَرُهُمْ بَعْدَ أَنِ اسْتُنْفِرُوا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا حِينَئِذٍ.
وَالْأَمْوَالُ: الْإِبِلُ.
وَأَهْلُونَ: جَمْعُ أَهْلٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّهُ غير مُسْتَوْفِي لِشُرُوطِ الْجَمْعِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَوِ الْيَاءِ وَالنُّونِ، فَعُدَّ مِمَّا أُلْحِقَ بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ.
وَمَعْنَى فَاسْتَغْفِرْ لَنَا: اسْأَلْ لَنَا الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ إِذْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَهُوَ طَلَبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute