للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يُشِيرُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يُونُس ١٦] .

[٢]

[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٢]

أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢)

أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ جُمْلَةَ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ [يُونُس: ١] بِمَا فِيهَا مِنْ إِبْهَامِ الدَّاعِي إِلَى التَّوَقُّفِ عَلَى آيَاتِ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ تُثِيرُ سُؤَالًا عَنْ ذَلِكَ الدَّاعِي فَجَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ هُوَ اسْتِبْعَادُ النَّاسِ الْوَحْيَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ اسْتِبْعَادَ إِحَالَةٍ. وَجَاءَتْ عَلَى هَذَا النَّظْمِ الْجَامِعِ بَيْنَ بَيَانِ الدَّاعِي وَبَيْنَ إِنْكَارِ السَّبَبِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ وَتَجْهِيلِ الْمُتَسَبِّبِينَ فِيهِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا، لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الْغَرَضِ الَّذِي جَاءَتْ لَهُ السُّورَةُ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ.

فَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْإِنْكَارِ، أَيْ كَيْفَ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ إِحَالَةٍ.

وَفَائِدَةُ إِدْخَال الِاسْتِفْهَام الْمُسْتَعْمل فِي الْإِنْكَار، عَلَى (كَانَ) دُونَ أَنْ يُقَالَ: أَعَجِبَ النَّاسُ، هِيَ الدَّلَالَةُ عَلَى التَّعْجِيبِ مِنْ تَعَجُّبِهِمُ الْمُرَادِ بِهِ إِحَالَةُ الْوَحْيِ إِلَى بَشَرٍ.

وَالْمَعْنَى: أُحْدِثَ وَتَقَرَّرَ فِيهِمُ التَّعَجُّبُ مِنْ وَحْيِنَا، لِأَنَّ فِعْلَ الْكَوْنِ يُشْعِرُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالتَّمَكُّنِ فَإِذَا عُبِّرَ بِهِ أَشْعَرَ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَوَقَّعٍ حُصُولُهُ.

ولِلنَّاسِ مُتَعَلق ب كانَ لِزِيَادَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِقْرَارِ هَذَا التَّعَجُّبِ فِيهِمْ، لِأَنَّ أَصْلَ اللَّامِ أَنْ تُفِيدَ الْمِلْكِ، وَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ لِلتَّمَكُّنِ، أَيْ لِتَمَكُّنِ الْكَوْنِ عَجَبًا مِنْ نُفُوسِهِمْ.

وعَجَباً خَبَرُ كانَ مُقَدَّمٌ عَلَى اسْمِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ.

وأَنْ وأَوْحَيْنا اسْمُ كَانَ، وَجِيءَ فِيهِ بِ (أَنْ) وَالْفِعْل دُونَ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَهُوَ وَحْيُنًا

لِيُتَوَسَّلَ إِلَى مَا يُفِيدُهُ الْفِعْلُ مِنَ التَّجَدُّدِ وَصِيغَةِ الْمُضِيِّ مِنَ الِاسْتِقْرَارِ تَحْقِيقًا لِوُقُوعِ الْوَحْيِ الْمُتَعَجَّبِ مِنْهُ وَتَجَدُّدِهِ وَذَلِكَ مَا يَزِيدُهُمْ كَمَدًا.