للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ أَوْحَالِ الشِّرْكِ وَالضَّلَالِ إِلَى مَنَاهِجِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَاتِّبَاعِ أَفْضَلِ الرُّسُلِ وَأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ، فَيَجْبُرَ لِأُمَّةٍ مِنْ عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ مَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنَ الِاقْتِدَاءِ بِأَبِيهِمْ حَتَّى يَكْمُلَ لِدَعْوَتِهِ شَرَفُ الِاسْتِجَابَةِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا زِيَادَةُ الْإِمْهَالِ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ [الْأَنْعَام: ١٥٥- ١٥٧] .

وَيَسْتَرْوِحُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ إِلَى قَوْله: وَآباءَهُمْ [الزخرف: ٢٨، ٢٩] أَنَّ آبَاء النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَمُودِ نَسَبِهِ لَمْ يَكُونُوا مُضْمِرِينَ الشِّرْكَ وَأَنَّهُمْ بَعْضٌ مِنْ عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِينَ بَقِيَتْ كَلِمَتُهُ فِيهِمْ وَلَمْ يَجْهَرُوا بِمُخَالَفَةِ قَوْمِهِمُ اتِّقَاءَ الْفِتْنَةِ. وَلَا

عَجَبَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ إِنَّمَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَكُنْ لديهم شرع.

[٣٠]

[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٣٠]

وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠)

تَعْجِيبٌ مِنْ حَالِ تَغَافُلِهِمْ، أَيْ قَدْ كَانَ لَهُمْ بَعْضُ الْعُذْرِ قَبْلَ مَجِيء الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ لِأَنَّ لِلْغَفَلَاتِ الْمُتَقَادِمَةِ غِشَاوَةً تُصَيِّرُ الْغَفْلَةُ جَهَالَةً، فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَسْتَيْقِظُوا لَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ فَيَتَذَكَّرُوا كَلِمَةَ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا:

هَذَا سِحْرٌ، أَيْ قَالُوا لِلرَّسُولِ: هَذَا سَاحِرٌ، فَازْدَادُوا رَيْنًا عَلَى رَيْنٍ.

فَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ لَا فِي إِفَادَةِ صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ.