وَهَذَا تَوَهُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَزَعَمَ أَنَّ اسْمَهَا الْمَحْذُوفَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. وَهَذَا أَيْضًا تَوَهُّمٌ عَلَى تَوَهُّمٍ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ أَنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا لِأَنَّهُ مُجْتَلَبٌ لِلتَّأْكِيدِ، عَلَى أَنَّ عَدَمَ ظُهُورِهِ فِي أَيِّ اسْتِعْمَالٍ يُفَنِّدُ دَعْوَى تَقْدِيره.
[٧٢]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٧٢]
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِإِبْطَالِ مَا عَلَيْهِ النَّصَارَى، يُنَاسِبُ الِانْتِهَاءَ مِنْ إِبْطَالِ مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ.
وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ آنِفًا فِي نَظِيرِ قَوْلِهِ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الْمَائِدَة: ١٧] وَمَنْ نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ طَوَائِفِ النَّصَارَى.
وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَقالَ الْمَسِيحُ وَاوُ الْحَالِ. وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ، أَيْ قَالُوا ذَلِكَ فِي حَالِ نِدَاءِ الْمَسِيحِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَرَبُّهُمْ، أَيْ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ، فَهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ فِي حَالِ أَنَّ الْمَسِيحَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ وَالَّذِي نَسَبُوهُ إِلَيْهِ قَدْ كَذَّبَهُمْ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: رَبِّي وَرَبَّكُمْ، يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَرْبُوبًا، وَذَلِكَ مُفَادُ قَوْلِهِ: رَبِّي، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ آخَرُ، وَذَلِكَ مُفَادُ قَوْله وَرَبَّكُمْ، وَذَلِكَ عَقَّبَ بِجُمْلَةِ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ حِكَايَةً لِكَلَامٍ صَدَرَ مِنْ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَتَكُونُ تَعْلِيلًا لِلْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ. وَوُقُوعُ (إِنَّ) فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ تُغْنِي غَنَاءَ فَاءِ التَّفْرِيعِ وَتُفِيدُ التَّعْلِيلَ. وَفِي حِكَايَتِهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ قَدْ أَوْقَعَهُمْ فِي الشِّرْكِ وَإِنْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُمُ اجْتَنَبُوهُ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا حَذَّرَ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute