وَجُمْلَةُ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ تَتْمِيمٌ لِجُمْلَةِ ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَيْ:
ذَلِكَ الْحُكْمُ وَهُوَ إِبْطَالُ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ سُنَّةُ قَوْمٍ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ عَلَى الْكُفْرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ مِنَ الْأَبَاطِيلِ، فَالظِّهَارُ شَرْعُ الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التَّوْبَة: ٣٧] ، لِأَنَّهُ وَضَعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ.
[٥]
[سُورَة المجادلة (٥٨) : آيَة ٥]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْكَافِرِينَ وَجَرَى ذِكْرُ حُدُودِ اللَّهِ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ مُنَافِقُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ نَقَلَ الْكَلَامَ إِلَى تَهْدِيدِهِمْ وَإِيقَاظِ الْمُسْلِمِينَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْهُمْ.
وَالْمُحَادَّةُ: الْمَشَاقَّةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَقَدْ أُوثِرَ هَذَا الْفِعْلُ هُنَا لِوُقُوعِ الْكَلَامِ عَقِبَ ذِكْرِ حُدُودِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُحَادَّةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْحَدِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَادِيَيْنِ كَأَنَّهُ فِي حَدٍّ مُخَالِفٍ لِحَدِّ الْآخَرِ، مِثْلَ مَا قِيلَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عُدْوَةِ الْوَادِي لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَعَادِيَيْنِ يُشْبِهُ مَنْ هُوَ مِنَ الْآخَرِ فِي عُدْوَةٍ أُخْرَى.
وَقِيلَ: اشْتُقَّتِ الْمُشَاقَّةُ مِنَ الشُّقَّةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَخَالِفَيْنِ كَأَنَّهُ فِي شُقَّةٍ غَيْرِ شُقَّةِ الْآخَرِ.
وَالْمُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يُحَادُّونَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُرْسَلَ بِدِينِ اللَّهِ فَمُحَادَّتُهُ مُحَادَّةٌ لِلَّهِ.
وَالْكَبْتُ: الْخِزْيُ وَالْإِذْلَالُ وَفِعْلُ كُبِتُوا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَعِيدِ أَيْ سَيُكْبَتُونَ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُضِيِّ تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ لِصُدُورِهِ عَمَّنْ لَا خِلَافَ فِي خَبَرِهِ مِثْلَ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] وَلِأَنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِتَنْظِيرِهِ بِمَا وَقَعَ لِأَمْثَالِهِمْ. وَقَرِينَةُ ذَلِكَ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَوْ كَانَ إِخْبَارًا عَنْ كَبْتٍ وَقَعَ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُقْتَضَى لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ إِذْ لَا يُنَازِعُ أَحَدٌ فِيمَا وَقَعَ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُهُ: كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَعْنِي الَّذِينَ حَادُّوا اللَّهَ فِي
غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ. وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا فَالْمُرَادُ بِصِلَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ وَهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ.