وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعَذابَ ظَاهِرٌ فِي الْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الْعَذَابِ فِي قَوْلِهِ: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النُّور: ٢] . فَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا لَمْ تَحْلِفْ أَيْمَانَ اللِّعَانِ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَشْهَدُ بِهِ رِوَايَاتُ حَدِيثِ اللِّعَانِ فِي السُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا نَكَلَتِ الْمَرْأَةُ عَنْ أَيْمَانِ اللِّعَانِ لَمْ تُحَدَّ لِأَنَّ الْحَدَّ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَوْ إِقْرَارٍ. فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ بِهَا إِلَى حُكْمِ الْحَبْسِ الْمَنْسُوخِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ إِنَّمَا نُسِخَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَبَقِيَ فِي الْبَعْضِ.
وَالْقَوْلُ فِي صِيغَةِ أَيْمَانِ الْمَرْأَةِ كَالْقَوْلِ فِي صِيغَةِ أَيْمَانِ الزَّوْجِ سَوَاءً. وَعُيِّنَ لَهَا فِي الْخَامِسَةِ الدُّعَاءُ بِغَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ صَدَقَ زَوْجُهَا لِأَنَّهَا أَغْضَبَتْ زَوْجَهَا بِفِعْلِهَا فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهَا عَلَى ذَلِكَ غَضَبَ رَبِّهَا عَلَيْهَا كَمَا أَغْضَبَتْ بَعْلَهَا.
وَتَتَفَرَّعُ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ يَتَعَرَّضُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِبَعْضِهَا وَهِيَ مِنْ مَوْضُوعِ كتب الْفُرُوع.
[١٠]
[سُورَة النُّور (٢٤) : آيَة ١٠]
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)
تَذْيِيلٌ لِمَا مَرَّ مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَظِيمَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّفَضُّلِ مِنَ اللَّهِ وَالرَّحْمَةِ مِنْهُ، وَالْمُؤْذِنَةُ بِأَنَّهُ تَوَّابٌ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْمُنْبِئَةُ بِكَمَالِ حِكْمَتِهِ تَعَالَى إِذْ وَضَعَ الشِّدَّةَ مَوْضِعَهَا وَالرِّفْقَ مَوْضِعَهُ وَكَفَّ بَعْضَ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ تَحْتَ كُلِّيِّ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَانَ ذِكْرُ الصِّفَاتِ تَذْيِيلًا.
وَجَوَابُ (لَوْلَا) مَحْذُوفٌ لِقَصْدِ تَهْوِيلِ مَضْمُونِهِ فَيَدُلُّ تَهْوِيلُهُ عَلَى تَفْخِيمِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ سَبَبًا فِي امْتِنَاعِ حُصُولِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَدَفَعَ عَنْكُمْ أَذَى بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ بِمَا شَرَعَ مِنَ الزَّوَاجِرِ لَتَكَالَبَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ بِكُمْ فَقَدَّرَ لَكُمْ تَخْفِيضًا مِمَّا شَرَّعَ مِنَ الزَّوَاجِرِ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَالْعُذْرِ لَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ مَثَارِ الْغَيْرَةِ، فَإِذَا بَاحَ بِذَلِكَ أُخِذَ بِعِقَابٍ وَإِذَا انْتَصَفَ لِنَفْسِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute