للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ مُرَادٌ بِهِ صَرِيحُهُ أَيْ يَطَّلِعُ عَلَى مِقْدَارِ وَقْعِهِ مِمَّا رَغَّبَ فِيهِ، وَمُرَادٌ بِهِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْجَزَاء عَلَيْهِ.

[٩٣- ٩٥]

[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٩٣ إِلَى ٩٥]

كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)

هَذَا يَرْتَبِطُ بِالْآيِ السَّابِقَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا [آل عمرَان: ٦٧] وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضَاتٌ وَانْتِقَالَاتٌ فِي فُنُونِ الْخِطَابِ.

وَهَذِهِ حُجَّةٌ جُزْئِيَّةٌ بَعْدَ الْحُجَجِ الْأَصْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ دِينَ الْيَهُودِيَّةِ لَيْسَ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ فِي شَيْءٍ، فَإِنَّ الْحَنِيفِيَّةَ لَمْ يَكُنْ مَا حُرِّمَ مِنَ الطَّعَامِ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ مُحَرَّمًا فِيهَا، وَلِذَلِكَ كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَلَى شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ مَا حُرِّمَ مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا طَعَامًا حَرَّمَهُ يَعْقُوبُ عَلَى نَفْسِهِ. وَالْحُجَّةُ ظَاهِرَةٌ وَيَدُلُّ لِهَذَا الِارْتِبَاطِ قَوْلُهُ فِي آخِرِهَا: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [آل عمرَان: ٩٥] .

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْيَهُودَ- مَعَ ذَلِكَ- طَعَنُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ أَبَاحَ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلَ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَى الْيَهُودِ، جَهْلًا مِنْهُمْ بِتَارِيخِ تَشْرِيعِهِمْ، أَوْ تَضْلِيلًا مِنْ أَحْبَارِهِمْ لِعَامَّتِهِمْ، تَنْفِيرًا عَنِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْأُمَمَ فِي سَذَاجَتِهِمْ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُونَ بِالْمَأْلُوفَاتِ، فَيَعُدُّونَهَا كَالْحَقَائِقِ، وَيُقِيمُونَهَا مِيزَانًا لِلْقَبُولِ وَالنَّقْدِ، فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ عِنْدَ النَّظَرِ فِي بَقِيَّةِ الْأَدْيَانِ، وَحَسْبُكُمْ أَنَّ دِينًا عَظِيمًا وَهُوَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ، وَزُمْرَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِيهِ وَحَفَدَتِهِ، لَمْ يَكُونُوا يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ.