وَتَلُوحُ لَهُمْ بَوَارِقُ الْعَذَابِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمُ الْكَذَّابُونَ الْأَشِرُونَ لَا صَالِحَ. وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي ضَمِيرِ سَيَعْلَمُونَ يَكُونُ الْغَدُ مُرَادًا بِهِ: يَوْمُ انْتِصَارِ الْمُسْلِمِينَ فِي بَدْرٍ وَيَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ، أَيْ سَيَعْلَمُونَ مِنَ الْكَذَّابُ الْمُمَاثِلُ لِلْكَذَّابِ فِي قصَّة ثَمُود.
[٢٧- ٢٩]
[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : الْآيَات ٢٧ إِلَى ٢٩]
إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [الْقَمَر: ٢٦] بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الْمُبَيَّنَةُ- بِفَتْحِ الْيَاءِ- مِنَ الْوَعِيدِ وَتَقْرِيبِ زَمَانِهِ وَإِنَّ فِيهِ تَصْدِيقَ الرَّسُولِ الَّذِي كَذَّبُوهُ.
وَضَمِيرُ لَهُمْ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ سَيَعْلَمُونَ بِيَاءِ الْغَائِبَةِ، وَإِمَّا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ سَتَعْلَمُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ فَضَمِيرُ لَهُمْ الْتِفَاتٌ.
وَإِرْسَالُ النَّاقَةِ إِشَارَةٌ إِلَى قِصَّةِ مُعْجِزَةِ صَالِحٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ لَهُمْ نَاقَةً مِنْ صَخْرَةٍ وَكَانَتْ تِلْكَ الْمُعْجِزَةُ مُقَدِّمَةَ الْأَسْبَابِ الَّتِي عُجِّلَ لَهُمُ الْعَذَابُ لِأَجْلِهَا، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي جُمْلَةِ
الْبَيَان تَوْطِئَة وتمهيد.
وَالْإِرْسَالُ مُسْتَعَارٌ لِجَعْلِهَا آيَةً لِصَالِحٍ. وَقَدْ عُرِفَ خَلْقُ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لِتَأْيِيدِ الرُّسُلِ بِاسْمِ الْإِرْسَالِ فِي الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الْإِسْرَاء: ٥٩] فَشُبِّهَتِ النَّاقَةُ بِشَاهِدٍ أَرْسَلَهُ اللَّهُ لِتَأْيِيدِ رَسُولِهِ. وَهَذَا مُؤْذِنٌ بِأَنَّ فِي هَذِهِ النَّاقَةِ مُعْجِزَةً وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ آيَةً فِي قَوْلِهِ حِكَايَةً عَنْهُمْ وَعَنْ صَالِحٍ فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ هذِهِ ناقَةٌ [الشُّعَرَاء: ١٥٤، ١٥٥] إِلَخْ.
وفِتْنَةً لَهُمْ حَالٌ مُقَدَّرٌ، أَيْ تَفْتِنُهُمْ فِتْنَةً هِيَ مُكَابَرَتُهُمْ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى صِدْقِ رَسُولِهِمْ، وَتَقْدِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّا مُرَسِلُو النَّاقَةِ آيَةً لَكَ وَفِتْنَةً لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute