[سُورَة الْفَتْح (٤٨) : الْآيَات ٨ إِلَى ٩]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)
لَمَّا أُرِيدَ الِانْتِقَالُ مِنَ الْوَعْدِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَمَا اقْتَضَاهُ ذَلِكَ مِمَّا اتَّصَلَ بِهِ ذِكْرُهُ إِلَى تَبْيِينِ مَا جَرَى فِي حَادِثَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِبْلَاغِ كُلِّ ذِي حَظٍّ مِنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ نَصِيبَهُ الْمُسْتَحَقَّ ثَنَاءً أَوْ غَيْرَهُ صَدَّرَ ذَلِكَ بِذِكْرِ مُرَادِ اللَّهِ مِنْ إرْسَال رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالْمُقَدَّمَةِ لِلْقِصَّةِ وَذُكِرَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِرْسَالِهِ مَا لَهُ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِالْوَاقِعَةِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهَا، فَذُكِرَتْ
أَوْصَافٌ ثَلَاثَةٌ هِيَ: شَاهِدٌ، وَمُبَشِّرٌ، وَنَذِيرٌ. وَقُدِّمَ مِنْهَا وَصْفُ الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ الْوَصْفَانِ بَعْدَهُ.
فَالشَّاهِدُ: الْمُخْبِرُ بِتَصْدِيقِ أَحَدٍ أَوْ تَكْذِيبِهِ فِيمَا ادَّعَاهُ أَوِ ادُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤١] وَقَوْلِهِ: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٣] .
فَالْمَعْنَى: أَرْسَلْنَاكَ فِي حَالِ أَنَّكَ تَشْهَدُ عَلَى الْأُمَّةِ بِالتَّبْلِيغِ بِحَيْثُ لَا يُعْذَرُ الْمُخَالِفُونَ عَنْ شَرِيعَتِكَ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ، وَتَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ حَاصِلَةٌ فِي الدُّنْيَا وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَانْتَصَبَ شاهِداً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ، وَهُوَ حَالُ مُقَارَنَةٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى التَّبْلِيغِ الَّذِي سَيَشْهَدُ بِهِ أَنَّهُ مُبَشِّرٌ لِلْمُطِيعِينَ وَنَذِيرٌ لِلْعَاصِينَ عَلَى مَرَاتِبِ الْعِصْيَانِ. وَالْكَلَامُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ وَتَأْكِيدُهُ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ.
وَقَوْلُهُ: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ الْأَفْعَالَ الْأَرْبَعَةَ لِتُؤْمِنُوا وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ فِي الْأَفْعَالِ الْأَرْبَعَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي لِتُؤْمِنُوا لَامَ كَيْ مُفِيدَةً لِلتَّعْلِيلِ وَمُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ أَرْسَلْناكَ.
وَالْخِطَابُ يَجُوزُ أَنْ يكون للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، أَيْ لِتُؤْمِنَ أَنْتَ وَالَّذِينَ أُرْسِلْتَ إِلَيْهِمْ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَالْمَقْصُودُ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ. وَأُقْحِمَ وَرَسُولِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ شَامِلٌ لِلْأُمَّةِ وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْإِيمَانِ برَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلِذَلِكَ
كَانَ يَقُولُ فِي تَشَهُّدِهِ: «وَأَشْهَدُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute