للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْقِيَامَة (٧٥) : الْآيَات ١٦ إِلَى ١٩]

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩)

هَذِهِ الْآيَةُ وَقَعَتْ هُنَا مُعْتَرِضَةً. وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَفَلَّتَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ شِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِي حِفْظِهِ فَكَانَ يُلَاقِي مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ

. قَالَ: جَمْعَهُ فِي صدرك ثمَّ تَقْرَأهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، أَيْ أَنْ تَقْرَأَهُ»

اهـ.

فَلَمَّا نَزَلَ هَذَا الْوَحْيُ فِي أثْنَاء نزُول السُّورَةِ لِلْغَرَضِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ سُورَةً مُسْتَقِلَّةً كَانَ مُلْحَقًا بِالسُّورَةِ وَوَاقِعًا بَيْنَ الْآيِ الَّتِي نَزَلَ بَيْنَهَا.

فَضَمِيرُ بِهِ

عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.

وَقَوْلُهُ: فَإِذا قَرَأْناهُ

، أَيْ إِذَا قَرَأَهُ جِبْرِيلُ عَنَّا، فَأُسْنِدَتِ الْقِرَاءَةُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ.

وَمَعْنَى فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

، أَيْ أَنْصِتْ إِلَى قراءتنا.

فضمير قَرَأْناهُ

رَاجِعٌ إِلَى مَا رَجَعَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ الْغَائِبِ فِي لَا تُحَرِّكْ بِهِ

وَهُوَ الْقُرْآنُ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ، فَيَكُونُ وُقُوعُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِثْلَ وُقُوعِ وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٦٤] ، وَوُقُوعُ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى فِي أَثْنَاءِ أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة [٢٣٨] . قَالُوا: نزلت هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ الْقِيَامَةِ: هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَيِمَّةِ التَّفْسِيرِ. وَذَكَرَ الْفَخْرُ عَنِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ

لَيْسَ خِطَابًا مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ خِطَابٌ مَعَ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ

[الْقِيَامَة: ١٣] فَكَانَ ذَلِك للْإنْسَان حا لما يُنَبَّأُ بِقَبَائِحِ أَفْعَالِهِ فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ كِتَابَكَ، فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ تَلَجْلَجَ لِسَانُهُ فَيُقَالُ لَهُ: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا بِحُكْمِ الْوَعْدِ أَوْ بِحُكْمِ الْحِكْمَةِ أَنْ نَجْمَعَ أَعْمَالَكَ وَأَنْ نَقْرَأَهَا عَلَيْكَ فَإِذَا