وَجُمْلَةُ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها فَلِذَلِكَ لَمْ تُعْطَفُ عَلَيْهَا وَفُصِّلَتْ، فَقَدْ عَلِمُوا بِإِذْنِ اللَّهِ أَنْ لَا يَنْجُوَ إِلَّا لُوطٌ وَأَهْلُهُ، أَيْ بِنْتَاهُ لَا غَيْرَ وَيَهْلِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى امْرَأَةُ لُوطٍ.
وَفِعْلُ كانَتْ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى تَكُونُ، فَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي تَشْبِيهًا لِلْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ وُقُوعِهِ بِالْفِعْلِ الَّذِي مَضَى مِثْلَ قَوْلِهِ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ الْكَوْنُ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَتَقْدِيرِهِ، كَمَا فِي آيَة النَّمْل [٥٧] قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ فَتَكُونُ صِيغَةُ الْمَاضِي حَقِيقَةً.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِهِ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ فِي سُورَة النَّمْل.
[٣٣]
[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٣٣]
وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣)
قَدْ أَشْعَرَ قَوْله إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ [العنكبوت: ٣١] أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَحِلُّونَ بِالْقَرْيَةِ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يُخْبِرُوا لُوطًا بِحُلُولِهِمْ بِالْقَرْيَةِ، وَأَنَّهُمْ مُرْسَلُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اسْتِجَابَةً لِطَلَبِ لُوطٍ النَّصْرَ عَلَى قَوْمِهِ، فَكَانَ هَذَا الْمَجِيءُ مُقَدَّرًا حُصُولُهُ، فَمِنْ ثَمَّ جُعِلَ شَرْطًا لِحِرَفِ لَمَّا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي قَوْلِهِ وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى [العنكبوت: ٣١] .
وأَنْ حَرْفٌ مَزِيدٌ لِلتَّوْكِيدِ وَأَكْثَرُ مَا يُزَادُ بَعْدَ لَمَّا وَهُوَ يُفِيدُ تَحْقِيقَ الرَّبْطِ بَيْنَ مَضْمُونِ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ لَمَّا، فَهِيَ هُنَا لِتَحْقِيقِ الرَّبْطِ بَيْنَ مَجِيءِ الرُّسُلِ وَمَسَاءَةِ لُوطٍ بِهِمْ. وَمَعْنَى تَحْقِيقِهِ هُنَا سُرْعَةُ الِاقْتِرَانِ وَالتَّوْقِيتِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ تَنْبِيهًا على أَن الْإِسَاءَة عَقَّبَتْ مَجِيئَهُمْ وَفَاجَأَتْهُ مِنْ غَيْرِ رَيْثٍ، وَذَلِكَ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَةِ مُعَامَلَةِ قَوْمِهِ مَعَ الْوَافِدِينَ عَلَى قريتهم فَلم يكون لُوطٌ عَالِمًا بِأَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا فِي صُورَةِ رِجَالٍ فَأُرِيدَ هُنَا
التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ مَا حَدَثَ بِهِ مِنَ الْمَسَاءَةِ وَضِيقِ الذَّرْعِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ جَاءُوا لِإِهْلَاكِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَقُولُوا لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute