[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٥٩]
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩)
جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ [التَّوْبَة: ٥٨] بِاعْتِبَارِ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ [التَّوْبَة:
٥٨] عطفا ينبىء عَنِ الْحَالَةِ الْمَحْمُودَةِ، بَعْدَ ذِكْرِ الْحَالَةِ الْمَذْمُومَةِ.
وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيرُهُ: لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ.
وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ، وَحَقِيقَتُهُ إِعْطَاءُ الذَّوَاتِ وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى تَعْيِينِ الْمَوَاهِبِ كَمَا فِي وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [الْبَقَرَة: ٢٥١] وَفِي ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ [الْمَائِدَة:
٥٤] .
وَقَوْلُهُ: مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، أَيْ مَا عَيَّنَهُ لَهُمْ، أَيْ لِجَمَاعَتِهِمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ بِنَوْطِهَا بِأَوْصَافٍ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ كَقَوْلِهِ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ [التَّوْبَة: ٦٠] الْآيَةَ.
وَإِيتَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِعْطَاؤُهُ الْمَالَ لِمَنْ يَرَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، مِثْلَ النَّفْلِ فِي الْمَغَانِمِ، وَالسَّلَبِ، وَالْجَوَائِزِ، وَالصِّلَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ إِعْطَاؤُهُ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْحَقَّ فِي الصَّدَقَاتِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِيتَاءُ اللَّهِ عَيْنَ إِيتَاءِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَإِنَّمَا ذُكِرَ إِيتَاءُ اللَّهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مَا عَيَّنَهُ لَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ لَهُمْ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ أَيْ مَا أَوْحَى اللَّهُ بِهِ إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ وَقَوْلِهِ: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الْأَنْفَال: ١] .
وَحسب: اسْمٌ بِمَعْنَى الْكَافِي، وَالْكِفَايَةُ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاجْتِزَاءِ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى وَلِيَ مُهِمَّ الْمَكْفِي، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَهِيَ هُنَا مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.
وَرَضي إِذَا تَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُولِ دَلَّ عَلَى اخْتِيَارِ الْمَرْضِيِّ، وَإِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِسَبَبِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ، كَقَوْلِهِ: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التَّوْبَة:
٣٨] .