للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: أَلَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أَنَّ كُفَّارَكُمْ لَا يَنَالُهُمُ الْعِقَابُ الَّذِي نَالَ أَمْثَالَهُمْ من الْأُمَم السالفة.

وفِي الزُّبُرِ صِفَةُ بَراءَةٌ، أَيْ كَائِنَةٌ فِي الزُّبُرِ، أَيْ مَكْتُوبَةٌ فِي صَحَائِفِ الْكُتُبِ.

وَأفَاد هَذَا الْكَلَام تَرْدِيدَ النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا الْاِتِّصَافُ بِالْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: ١٣] ، وَإِمَّا الْمُسَامَحَةُ وَالْعَفْوُ عَمَّا يَقْتَرِفُهُ الْمَرْءُ مِنَ السَّيِّئَاتِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ

بِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»

. وَالْمَعْنَى انْتِفَاءُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ عَنِ الْمُخَاطَبِينَ فَلَا مَأْمَنَ لَهُمْ مِنْ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ كَمَا حَلَّ بأمثالهم.

وَالْآيَة توذن بِارْتِقَابِ عَذَابٍ يَنَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ عَذَابُ الْجُوعِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [الدُّخان: ١٠] كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَذَابُ السَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [الدُّخان: ١٦] .

[٤٤، ٤٥]

[سُورَة الْقَمَر (٥٤) : الْآيَات ٤٤ إِلَى ٤٥]

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)

أَمْ مُنْقَطِعَةٌ لِإِضْرَابٍ انْتِقَالِيٍّ. وَالْاِسْتِفْهَامُ الْمُقَدَّرُ بَعْدَ (أَمْ) مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ، فَإِنْ كَانُوا قَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فَهُوَ إِنْبَاءٌ بِأَنَّهُمْ سَيَقُولُونَهُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ هَذَا نَزَلَ قَبْلَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ إِنْذَارٌ بِهَزِيمَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ لِوُجُودِ عَلَامَةِ الْاِسْتِقْبَالِ.