للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والْقَدِيمِ: هُوَ الْبَالِي لِأَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الثَّمر تقوس واصفار وَتَضَاءَلَ فَأَشْبَهَ صُورَةَ مَا يُوَاجِهُ الْأَرْضَ مِنْ ضَوْءِ الْقَمَرِ فِي آخِرِ لَيَالِي الشَّهْرِ وَفِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَتَرْكِيبُ عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ صَالِحٌ لِصُورَةِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْمُحَاقُ وَلِصُورَتِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنَ الشَّهْرِ هُوَ الْهِلَالُ. وَقَدْ بَسَّطَ لَهُمْ بَيَانُ سَيْرِ الْقَمَرِ وَمَنَازِلِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتْقِنُونَ عِلْمَهُ بِخِلَافِ سير الشَّمْس.

[٤٠]

[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٤٠]

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)

لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي مَعْرِضِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَعَلَى صِفَاتِ إِلَهِيَّتِهِ الَّتِي مِنْ مُتَعَلَّقَاتِهَا تَعَلُّقُ صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِآيَةِ الشَّمْسِ وَسَيْرِهَا، وَالْقَمَرِ وَسَيْرِهِ، وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَكَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ تَقَارُبَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِيمَا يَرَاهُ الرَّاءُونَ، وَكَانُوا يُقَدِّرُونَ سَيْرَهُمَا بِأَسْمَاتٍ مُعَلَّمَةٍ بِعَلَامَاتٍ نُجُومِيَّةٍ تُسَمَّى بُرُوجًا بِالنِّسْبَةِ لِسَيْرِ الشَّمْسِ، وَتُسَمَّى مُنَازِلَ بِالنِّسْبَةِ لِسَيْرِ الْقَمَرِ، وَكَانُوا يَعْلَمُونَ شِدَّةَ قُرْبِ الْمَنَازِلِ الْقَمَرِيَّةِ مِنَ الْبُرُوجِ الشَّمْسِيَّةِ فَإِنَّ كُلَّ بُرْجٍ تُسَامِتُهُ مَنْزِلَتَانِ أَوْ ثَلَاثَ مَنَازِلَ، وَبَعْضُ نُجُومِ الْمَنَازِلِ هِيَ أَجْزَاءٌ مِنْ نُجُومِ الْبُرُوجِ، زَادَهُمُ اللَّهُ عِبْرَةً وَتَعْلِيمًا بِأَنَّ لِلشَّمْسِ سَيْرًا لَا يُلَاقِي سَيْرَ الْقَمَرِ، وَلِلْقَمَرِ سَيْرًا لَا يُلَاقِي سَيْرَ الشَّمْسِ وَلَا يَمُرُّ أَحَدُهُمَا بِطَرَائِقِ مَسِيرِ الْآخَرِ وَأَنَّ مَا يَتَرَاءَى للنَّاس من مُشَاهدَة الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي جَوٍّ وَاحِدٍ وَفِي حَجْمَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ، وَمَا يَتَرَاءَى لَهُمْ مِنْ تَقَارُبِ نُجُومِ بُرُوجِ الشَّمْسِ وَنُجُومِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، إِنْ هُوَ إِلَّا مِنْ تَخَيُّلَاتِ الْأَبْصَارِ وَتَفَاوُتِ الْمَقَادِيرِ بَيْنَ الْأَجْرَامِ وَالْأَبْعَادِ.

فَالْكُرَةُ الْعَظِيمَةُ كَالشَّمْسِ تَبْدُو مُقَارِبَةً لِكُرَةِ الْقَمَرِ فِي الْمَرْأَى وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ تَبَاعُدِ

الْأَبْعَادِ فَأَبْعَادُ فَلَكِ الشَّمْسِ تَفُوتُ أَبْعَادَ فَلَكِ الْقَمَرِ بِمِئَاتِ الْمَلَايِينِ مِنَ الْأَمْيَالِ، حَتَّى يَلُوحَ لَنَا حَجْمُ الشَّمْسِ مُقَارِبًا لِحَجْمِ الْقَمَرِ. فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّهُ نَظَّمَ سَيْرَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ عَلَى نِظَامٍ يَسْتَحِيلُ مَعَهُ اتِّصَالُ إِحْدَى الْكُرَتَيْنِ بِالْأُخْرَى لِشِدَّةِ الْأَبْعَادِ بَيْنَ مَدَارَيْهِمَا.