الشُّكْرِ ضَلَالًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَفْلَةً لِإِسْنَادِهِ النِّعَمَ إِلَى أَسْبَابِهَا الْمُقَارِنَةِ دُونَ مُنْعِمِهَا وَلِفَرْضِهِ مُنْعِمِينَ وَهْمِيِّينَ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي الْإِنْعَامِ.
وَذِكْرُ فِعْلِ (كَانَ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْكُفْرَانَ مُسْتَقِرٌّ فِي جِبِلَّةِ هَذَا الْإِنْسَانِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَشْعُرُ بِمَا وَرَاءَ عَالَمِ الْحِسِّ فَإِنَّ الْحَوَاسَّ تَشْغَلُهُ بِمُدْرِكَاتِهَا عَنْ التَّفَكُّرِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْحَافِظَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَةِ بِالْفِكْرِ.
وَلَمَّا كَانَ الشُّكْرُ عَلَى النِّعْمَةِ مُتَوَقِّفًا عَلَى تَذَكُّرِ النِّعْمَةِ كَانَتْ شَوَاغِلُهُ عَنْ تَذَكُّرِ النِّعَمِ الْمَاضِيَةِ مُغَطِّيَةً عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ مُدْرَكَاتِ الْحَوَاسِّ مِنْهَا الْمُلَائِمُ لِلنَّفْسِ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَمِنْهَا الْمُنَافِرُ لَهَا. فَالْإِنْسَانُ إِذَا أَدْرَكَ الْمُلَائِمَ لَمْ يَشْعُرْ بِقُدْرَةٍ عِنْدَهُ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ حَتَّى صَارَ عَادَةً فَذُهِلَ عَمَّا فِيهِ مِنْ نَفْعٍ، فَإِذَا أَدْرَكَ الْمُنَافِرَ اسْتَذْكَرَ فُقْدَانَ الْمُلَائِمِ فَضَجَّ وَضَجِرَ. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ [فصلت: ٥١] . وَلِهَذَا قَالَ الْحُكَمَاءُ: الْعَافِيَةُ تَاج على رُؤُوس الْأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى فَهَذَا الِاعْتِبَارُ هُوَ الَّذِي أَشَارَتْ لَهُ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ [الْإِسْرَاء: ٦٨] الْآيَةَ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ مِنْ آدَابِ النَّفْسِ فِي الشَّرِيعَةِ تَذْكِيرُهَا بِنِعَمِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: ٥] لِيَقُومَ ذِكْرُ النِّعْمَةِ مقَام معاهدتها.
[٦٨، ٦٩]
[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : الْآيَات ٦٨ إِلَى ٦٩]
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩)
تَفْرِيعٌ عَلَى جملَة أَعْرَضْتُمْ [الْإِسْرَاء: ٦٧] ، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، وَفُرِّعَ الِاسْتِفْهَامُ التَّوْبِيخِيُّ عَلَى إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الشُّكْرِ وَعَوْدِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute