[سُورَة غَافِر (٤٠) : آيَة ٧]
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ اقْتَضَاهُ الِانْتِقَالُ مِنْ ذِكْرِ الْوَعِيدِ الْمُؤْذِنِ بِذَمِّ الَّذِينَ كفرُوا إِلَى ذكر الثَّنَاءِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الْجَارِيَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ مِثْلُ الْكَلَامِ الْجَارِي عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ إِذِ الْجَمِيعُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ، وَالْمُنَاسَبَةُ الْمُضَادَّةُ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَالْمَقَالَيْنِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا نَاشِئًا عَنْ وَعِيدِ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنْ يَسْأَلَ سَائِلٌ عَنْ حَالِ الَّذِينَ لَا يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ فَآمَنُوا بِهَا.
وَخَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَائِفَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَوْصُوفَةً بِأَوْصَافٍ تَقْتَضِي رِفْعَةَ شَأْنِهِمْ تَذَرُّعًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الشَّرِيفَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَسْنَدَ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ لِعُمُومِ الْمَلَائِكَةِ فِي قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الشُّورَى [٥] وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِيهَا بَعْدَهُ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ [الشورى: ٦] .
والَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ هُمُ الْمُوَكَّلُونَ بِرَفْعِ الْعَرْشِ الْمُحِيطِ بِالسَّمَاوَاتِ وَهُوَ أَعْظَمُ السَّمَاوَاتِ، وَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة: ١٧] .
ومَنْ حَوْلَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ تَحُفُّ بِالْعَرْشِ تَحْقِيقًا لِعَظَمَتِهِ قَالَ تَعَالَى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الزمر: ٧٥] ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْخَوْضِ فِي عَدَدِهِمْ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: ٣١] .
وَالْإِخْبَارُ عَنْ صِنْفَيِ الْمَلَائِكَةِ بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ تَوْطِئَةٌ وَتَمْهِيدٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْهُمْ
بِأَنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا فَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ، فَقَدَّمَ لَهُ مَا فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute