للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ تَقَعْ أَنْ الْمُؤَكِّدَةُ فِي آيَةِ سُورَةِ هُودٍ لِأَنَّ فِي تِلْكَ السُّورَةِ تَفْصِيلًا لِسَبَبِ إِسَاءَتِهِ وَضِيقِ ذَرْعِهِ فَكَانَ ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَ التَّأْكِيدُ هُنَا ضَرْبًا مِنَ الْإِطْنَابِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ هُودٍ وَتَفْسِيرِهَا هُنَاكَ.

وَبِنَاءُ فِعْلِ سِيءَ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْمَفْعُولِ دُونَ فَاعِلِهِ.

وَعُطِفَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ وَقالُوا لَا تَخَفْ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَا وَقَعَ عَقِبَ مَجِيءِ الرُّسُلِ لُوطًا. وَقَدْ طُوِيَتْ جُمَلٌ دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ وَهِيَ الْجُمَلُ الَّتِي ذُكِرَتْ مَعَانِيهَا فِي قَوْلِهِ وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ إِلَى قَوْلِهِ قالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فِي سُورَةِ هُودٍ [٧٨- ٨١] . وَقَدَّمُوا تَأْمِينَهُ قَبْلَ إِعْلَامِهِ بِأَنَّهُمْ مُنْزِلُونَ الْعَذَابَ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ تَعْجِيلًا بِتَطْمِينِهِ.

وَعَطْفُ وَلا تَحْزَنْ عَلَى لَا تَخَفْ جَمْعٌ بَيْنَ تَأْمِينِهِ مِنْ ضُرِّ الْعَذَابِ وَبَيْنَ إِعْلَامِهِ بِأَنَّ الَّذِينَ سَيَهْلِكُونَ لَيْسُوا أَهْلًا لِأَنْ يَحْزَنَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ أُولَئِكَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُحْزَنُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ بِهِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّا مُنَجُّوكَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ عَنِ الْأَمْرَيْنِ.

وَاسْتِثْنَاءُ امْرَأَتِهِ مِنْ عُمُومِ أَهْلِهِ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ التَّعْلِيلِ لَا مِنَ النَّهْيِ، فَفِي ذَلِكَ مَعْذِرَةٌ لَهُ بِمَا عَسَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنَ الْحُزْنِ عَلَى هَلَاكِ امْرَأَتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَحْسَبُهَا مُخْلِصَةً لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ.

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ مُنَجُّوكَ بِسُكُونِ النُّونِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْديد الْجِيم.

[٣٤]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ٣٤]

إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤)

جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَقَعَتْ بَيَانًا لِمَا فِي جُمْلَةِ لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ [العنكبوت: ٣٣] مِنَ الْإِيذَانِ بِأَنَّ ثَمَّةَ حَادِثًا يَخَافُ مِنْهُ وَيَحْزَنُ لَهُ.