للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُلُولِ الشَّمْسِ فِي بُرْجِ الْمِيزَانِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، أَيْ قَبْلَ فَصْلِ الْخَرِيفِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهُوَ يُوَافِقُ الْيَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ تِشْرِينَ (سِبْتَمْبِرَ) . وَأَوَّلَ أَيَّامِ شَهْرِ (تُوتَ) هُوَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ عِنْدَ الْفُرْسِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِسَابِ انْتِهَاءِ زِيَادَةِ النِّيلِ لَا عَلَى حِسَابِ بُرُوجِ الشَّمْسِ.

وَاخْتَارَ مُوسَى هَذَا الْوَقْتَ وَهَذَا الْمَكَانَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنْ سَيَكُونُ الْفَلَجُ لَهُ، فَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ أَكْثَرَ مُشَاهِدًا وأوضح رُؤْيَة.

[٦٠- ٦١]

[سُورَة طه (٢٠) : الْآيَات ٦٠ إِلَى ٦١]

فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١)

تَفْرِيعُ التَّوَلِّي وَجَمْعُ الْكَيْدِ عَلَى تَعْيِينِ مُوسَى لِلْمَوْعِدِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ فِرْعَوْنَ بَادَرَ بِالِاسْتِعْدَادِ لِهَذَا الْمَوْعِدِ وَلَمْ يُضِعِ الْوَقْتَ لِلتَّهْيِئَةِ لَهُ.

وَالتَّوَلِّي: الِانْصِرَافُ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمل فِي حَقِيقَته، أَيِ انْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إِلَى حَيْثُ يُرْسِلُ الرُّسُلَ إِلَى الْمَدَائِنِ لِجَمْعِ مَنْ عُرِفُوا بِعِلْمِ السِّحْرِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ [٢٢، ٢٣] ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى.

وَمَعْنَى جَمْعُ الْكَيْدِ: تَدْبِيرُ أُسْلُوبِ مُنَاظَرَةِ مُوسَى، وَإِعْدَادُ الْحِيَلِ لِإِظْهَارِ غَلَبَةِ السَّحَرَةِ عَلَيْهِ، وَإِقْنَاعِ الْحَاضِرِينَ بِأَنَّ مُوسَى لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ.

وَهَذَا أُسْلُوبٌ قَدِيمٌ فِي الْمُنَاظَرَاتِ: أَنْ يَسْعَى الْمُنَاظِرُ جُهْدَهُ لِلتَّشْهِيرِ بِبُطْلَانِ حُجَّةِ خَصْمِهِ بِكُلِّ وَسَائِلِ التَّلْبِيسِ وَالتَّشْنِيعِ وَالتَّشْهِيرِ، وَمُبَادَأَتِهِ بِمَا يَفُتُّ فِي عَضُدِهِ وَيُشَوِّشُ رَأْيَهُ حَتَّى يَذْهَبَ مِنْهُ تَدْبِيرُهُ.