للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا سَلَفُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ [سُورَة آل عمرَان: ٩٣] ، أَيْ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَا تَحْسَبُوا أَنَّ ذَلِكَ من الحنيفية.

[١١٩]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١١٩]

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)

مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ اللَّوَاتِي قَبْلَهَا كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ السَّابِقِ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا [سُورَة النَّحْل: ١١٠] . فَلَمَّا ذُكِرَتْ أَحْوَالُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَكَانَ مِنْهَا مَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَارَكُوهُمْ أَيَّامَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَوَرَدَتْ قَوَارِعُ الذَّمِّ لِمَا صَنَعُوا، كَانَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ عُلُوقُهُ بِأَذْهَانِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْسَبُوا أَنَّهُمْ سَيَنَالُهُمْ شَيْء من غمص لِمَا اقْتَرَفُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَطَمْأَنَ اللَّهُ نُفُوسَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمَّا تَابُوا بِالْإِقْلَاعِ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ وَأَصْلَحُوا عَمَلَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَفْسَدُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُمْ مَغْفِرَةً عَظِيمَةً وَرَحِمَهُمْ رَحْمَةً وَاسِعَةً.

وَوَقَعَ الْإِقْبَالُ بِالْخِطَابِ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ بَرَكَاتِ الدِّينِ الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ.

وَذِكْرُ اسْمِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ لِلنُّكْتَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا.

وَالْجَهَالَةُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِمَا يَجِبُ. وَالْمُرَادُ: جَهَالَتُهُمْ بِأَدِلَّةِ الْإِسْلَامِ.

وثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَعْطُوفَةَ بِ ثُمَّ تَضَمَّنَتْ حُكْمَ التَّوْبَةِ وَأَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ مِنْ آثَارِهَا، وَذَلِكَ أَهَمُّ عِنْدَ الْمُخَاطِبِينَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ وَعِيدٍ، أَيِ الَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ جَاهِلِينَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَسَاد مَا علموه. وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لِدَعْوَةِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُمْ فِي مُدَّةِ تَأَخُّرِهِمْ عَنِ الدُّخُولِ فِي