الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ بِلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ، فالإفراط فِي الْبَطْشِ اسْتِخْفَافٌ بِحُقُوقِ الْخَلْقِ.
وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ....»
الْحَدِيثَ. وَوَقَعَ فِعْلُ بَطَشْتُمْ الثَّانِي جَوَابًا لِ إِذا وَهُوَ مُرَادِفٌ لِفِعْلِ شَرْطِهَا، لِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ فِعْلِ الشَّرْطِ وَفِعْلِ الْجَوَابِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٧٢] وَإِنَّمَا يُقْصَدُ مِثْلُ هَذَا النَّظْمِ لِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْفِعْلِ إِذْ يَحْصُلُ مِنْ تَكْرِيرِهِ تَأْكِيد مَدْلُوله.
[١٣١- ١٣٥]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ١٣١ إِلَى ١٣٥]
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥)
لَمَّا أَفَادَ الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً [الشُّعَرَاء: ١٢٨] مَعْنَى الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قَارَنَ بِنَاءَهُمُ الْآيَاتِ وَاتِّخَاذَهُمُ الْمَصَانِعَ وَعَلَى شِدَّتِهِمْ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ الْغَضَبِ فُرِّعَ عَلَيْهِ أَمْرُهُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَحَصَلَ مَعَ ذَلِكَ التَّفْرِيعِ تَكْرِيرُ جُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى وَالطَّاعَةِ.
وَحَذْفُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ أَطِيعُونِ كَحَذْفِهَا فِي نَظِيرِهَا الْمُتَقَدِّمِ. وَأُعِيدَ فِعْلُ وَاتَّقُوا وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَوْصُولِ وَصْفًا لِاسْمِ الْجَلَالَةِ لَأَنَّ ظَاهِرَ النَّظْمِ أَنْ يُقَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، فَعَدَلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَبَنَيَ الْكَلَامَ عَلَى عَطْفِ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي قَبْلَهُ تَأْكِيدًا لَهُ وَاهْتِمَامًا بِالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى مَعَ أَنَّ مَا عُرِضَ مِنَ الْفَصْلِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِجُمْلَةِ وَأَطِيعُونِ قَضَى بِأَنْ يُعَادَ اتِّصَالُ النَّظْمِ بِإِعَادَةِ فِعْلِ اتَّقُوا.
وَإِنَّمَا أُتِيَ بِفِعْلِ اتَّقُوا مَعْطُوفًا وَلَمْ يُؤْتَ بِهِ مَفْصُولًا لِمَا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مِنَ التَّذْكِيرِ بِإِنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَعَلَّقَ بِفِعْلِ التَّقْوَى فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى اسْمَ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ التَّقْوَى لِذَاتِهِ، ثُمَّ عَلَّقَ بِفِعْلِ التَّقْوَى فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ اسْمَ الْمَوْصُولِ بِصِلَتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى إِنْعَامِهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ التَّقْوَى لِاسْتِحْقَاقِهِ الشُّكْرَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute