[٢٠]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٠]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
الْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: يَجْعَلُونَ حَالًا اتَّضَحَ بِهَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مُجْمَلَةً، وَأَمَّا جُمْلَةُ: يَكادُ الْبَرْقُ فَيَجُوزُ كَوْنُهَا حَالًا مِنْ ضَمِيرِ يَجْعَلُونَ، لِأَنَّ بِهَا كَمَالَ إِيضَاحِ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا وَيَجُوزُ كَوْنُهَا اسْتِئْنَافًا لِبَيَانِ حَالِ الْفَرِيقِ عِنْدَ الْبَرْقِ نَشَأَ عَنْ بَيَانِ حَالِهِمْ عِنْدَ الرَّعْدِ. وَجُمْلَةُ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ حَالٌ مِنَ (الْبَرْقِ) أَوْ مِنْ ضَمِيرِ (أَبْصَارِهِمْ) لَا غَيْرَ، وَفِي هَذَا تَشْبِيهٌ لِجَزَعِ الْمُنَافِقِينَ مِنْ آيَاتِ الْوَعِيدِ بِمَا يَعْتَرِي الْقَائِمَ تَحْتَ السَّمَاءِ حِينَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالظُّلُمَاتِ فَهُوَ يَخْشَى اسْتِكَاكَ سَمْعِهِ وَيَخْشَى الصَّوَاعِقَ حَذَرَ الْمَوْتِ وَيُعَشِّيهِ الْبَرْقُ حِينَ يَلْمَعُ بِإِضَاءَةٍ شَدِيدَةٍ وَيُعَمِّي عَلَيْهِ الطَّرِيقَ بَعْدَ انْقِطَاعِ لَمَعَانِهِ. وَقَوْلُهُ: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ تَمْثِيلٌ لِحَالِ حَيْرَةِ الْمُنَافِقِينَ بِحَالِ حَيْرَةِ السَّائِرِينَ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ الْمُرْعِدِ الْمُبْرِقِ. وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ اعْتِرَاضٌ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّمْثِيلُ لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي كُفْرِهِمْ لَا لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ فِي التَّمْثِيلِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ رُجُوعٌ إِلَى وَعِيدِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّمْثِيلِ فَالضَّمَائِرُ الَّتِي فِي جُمْلَةِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ رَاجِعَةٌ إِلَى أَصْلِ الْكَلَامِ، وَتَوْزِيعُ الضَّمَائِرِ دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. فَعَبَّرَ عَنْ زَوَاجِرِ الْقُرْآنِ بِالصَّوَاعِقِ وَعَنِ انْحِطَاطِ قُلُوبِ الْمُنَافِقِينَ وَهِيَ الْبَصَائِرُ عَنْ قَرَارِ نُورِ الْإِيمَانِ فِيهَا بِخَطْفِ الْبَرْقِ لِلْأَبْصَارِ، وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ نَقْلًا عَنْ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَهُوَ مَجَازٌ شَائِعٌ، يُقَالُ فُلَانٌ يَرْعُدُ وَيَبْرُقُ، عَلَى أَنَّ بِنَاءَهُ هُنَا عَلَى الْمَجَازِ السَّابِقِ يَزِيدُهُ قَبُولًا، وَعَبَّرَ عَمَّا يَحْصُلُ لِلْمُنَافِقِينَ مِنَ الشَّكِّ فِي صِحَّةِ اعْتِقَادِهِمْ بِمَشْيِ السَّارِي فِي ظُلْمَةٍ إِذَا أَضَاءَ لَهُ الْبَرْقُ، وَعَنْ إِقْلَاعِهِمْ عَنْ ذَلِكَ الشَّكِّ حِينَ رُجُوعِهِمْ إِلَى كُفْرِهِمْ بِوُقُوفِ الْمَاشِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الْبَرْقِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّمْثِيلِ، وَخَلَّلَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِتَهْدِيدٍ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْمُشَبَّهِينَ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute