فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [٢٤] . وَالْجَنَاحُ لِلطَّائِرِ بِمَنْزِلَةِ الْيَدَيْنِ لِلدَّوَابِّ، وَبِالْجَنَاحَيْنِ يَكُونُ الطَّيَرَانُ.
ومِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَيَانٌ لِمَنِ اتَّبَعَكَ فَإِنَّ الْمُرَادَ الْمُتَابَعَةُ فِي الدِّينِ وَهِيَ الْإِيمَانُ.
وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ الْإِيمَانِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لَهُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَام: ٣٨] وَجَبْرٍ لِخَاطِرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَرَابَتِهِ. وَلِذَلِكَ لَمَّا نَادَى فِي دُعَائِهِ صَفِيَّةَ قَالَ: «عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ» وَلَمَّا نَادَى فَاطِمَةَ قَالَ:
«بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ» تَأْنِيسًا لَهُمَا، فَهَذَا مِنْ خَفْضِ الْجَنَاحِ، وَلَمْ يُقَلْ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْعَبَّاسِ لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمئِذٍ مُشْركًا.
[٢١٦]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : آيَة ٢١٦]
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦)
تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشُّعَرَاء: ٢١٤] أَي فَإِن عَصَوْا أَمْرَكَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ، أَيْ فَإِنْ عَصَاكَ عَشِيرَتُكَ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تَتَبَرَّأَ مِنْ عَمَلِهِمْ، وَهَذَا هُوَ مَثَارُ
قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي دَعْوَتِهِ: «غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا»
فَالتَّبَرُّؤُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كُفْرِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِلَتِهِمْ لِأَجْلِ الرَّحِمِ وَإِعَادَةِ النُّصْحِ لَهُمْ كَمَا قَالَ:
قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى: ٢٣] . وَإِنَّمَا أُمِرَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ ذَلِكَ لِإِظْهَارِ أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّؤِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى إِضْمَارِ ذَلِكَ فِي نَفسه.
[٢١٧- ٢٢٠]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ٢١٧ إِلَى ٢٢٠]
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
وَعَطَفَ الْأَمْرَ بِالتَّوَكُّلِ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ فَيَكُونُ تَفْرِيعًا عَلَى: فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [الشُّعَرَاء: ٢١٦] تَنْبِيهًا عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْعَوْذِ مِنْ شَرِّ أُولَئِكَ الْأَعْدَاءِ وَتَنْصِيصًا عَلَى اتِّصَالِ التَّوَكُّلِ بِقَوْلِهِ: إِنِّي بَرِيءٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَتَوَكَّلْ بِالْوَاوِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ، أَيْ قُلْ: إِنِّي بَرِيءٌ وَتَوَكَّلْ، وَعَطْفُهُ عَلَى الْجَوَابِ يَقْتَضِي تَسَبُّبَهُ عَلَى الشَّرْطِ كَتَسَبُّبِ الْجَوَابِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْبِدَارَ بِهِ، فَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ طَرِيقُ انْتِزَاعِهِ.