قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا [الْإِسْرَاء: ٩٧] وَمِثْلُهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمٍ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا كَانُوا عَمِينَ لِأَنَّ قَادَتَهُمْ دَاعُونَ إِلَى الضَّلَالَةِ مُؤَيِّدُونَهَا، وَدَهْمَاؤُهُمْ مُتَقَبِّلُونَ تِلْكَ الدَّعْوَةِ سَمَّاعُونَ لَهَا.
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى مَعْنًى عَظِيمٍ فِي إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَطَوُّرَ الْخَلْقِ الْإِنْسَانِيِّ: فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَخَلَقَ لَهُ الْحِسَّ الظَّاهِرَ وَالْحِسَّ الْبَاطِنَ، فَانْتَفَعَ بِاسْتِعْمَالِ بَعْضِ قُوَاهُ الْحِسِّيَّةِ فِي إِدْرَاكِ أَوَائِلِ الْعُلُومِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَعْمَلَ بَعْضَ ذَلِكَ فِيمَا جَلَبَ إِلَيْهِ الضُّرَّ وَالضَّلَالَ، وَذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِ الْقَوَاعِدِ الْحِسِّيَّةِ فِيمَا غَابَ عَنْ حِسِّهِ وَإِعَانَتِهَا بِالْقُوَى الْوَهْمِيَّةِ وَالْمُخَيَّلَةِ، فَفَكَّرَ فِي خَالِقِهِ وَصِفَاتِهِ فَتَوَّهُمْ لَهُ أَنْدَادًا وَأَعْوَانًا وَعَشِيرَةً وَأَبْنَاءً وَشُرَكَاءً فِي مُلْكِهِ، وَتَفَاقَمَ ذَلِكَ فِي الْإِنْسَانِ مَعَ مُرُورِ الْأَزْمَانِ حَتَّى عَادَ عَلَيْهِ بِنِسْيَانِ خَالِقِهِ، إِذْ لَمْ يَدْخُلِ الْعِلْمُ بِهِ تَحْتَ حَوَاسِّهِ الظَّاهِرَةِ، وَأَقْبَلَ عَلَى عِبَادَةِ الْآلِهَةِ الْمَوْهُومَةِ حَيْثُ اتَّخَذَ لَهَا
صُوَرًا مَحْسُوسَةً، فَأَرَادَ اللَّهُ إِصْلَاحَ الْبَشَرِ وَتَهْذِيبَ إِدْرَاكِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ نُوحًا فَآمَنَ بِهِ قَلِيلٌ مِنْ قَوْمِهِ وَكَفَرَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، فَأَرَادَ اللَّهُ انْتِخَابَ الصَّالِحِينَ مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ قَبِلَتْ عُقُولُهُمُ الْهُدَى، وَهُمْ نُوحٌ وَمَنْ آمن بِهِ، واستيصال الَّذِينَ تَمَكَّنَتِ الضَّلَالَةُ من عُقُولهمْ لينشىء مِنْ الصَّالِحِينَ ذُرِّيَّةً صَالِحَةً وَيَكْفِيَ الْإِنْسَانِيَّةَ فَسَادَ الضَّالِّينَ، كَمَا قَالَ نُوحٌ: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح: ٢٧] ، فَكَانَتْ بِعْثَةُ نُوحٍ وَمَا طَرَأَ عَلَيْهَا تَجْدِيدًا لِصَلَاحِ الْبَشَرِ وانتخابا للأصلح.
[٦٥، ٦٦]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ٦٥ إِلَى ٦٦]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute