الْمُخْتَلِعَةَ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي دَعَتْ إِلَى الْفُرْقَةِ دُونَ الْمُطَلِّقِ.
وَالَّذِينَ حَمَلُوا الطَّلَبَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْوُجُوبِ، اخْتَلَفُوا فِي مَحْمَلِ الطَّلَبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ قَوْلَهُ بِوُجُوبِ الْمُتْعَةِ لِجَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ ابْن جُبَيْرٍ وَابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الطَّلَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَرْجِعُهُ إِلَى تَأْوِيلِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ:
وَلِلْمُطَلَّقاتِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [الْبَقَرَة: ٢٣٦] .
[٢٤٢]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٤٢]
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢٤٢)
أَيْ كَهَذَا الْبَيَانِ الْوَاضِحِ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ، فَالْآيَاتُ هُنَا دَلَائِلُ الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] .
[٢٤٣، ٢٤٤]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ٢٤٣ إِلَى ٢٤٤]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ وَالتَّذْكِيرِ بِأَنَّ الْحَذَرَ لَا يُؤَخِّرُ الْأَجَلَ، وَأَنَّ الْجَبَانَ قَدْ يَلْقَى حَتْفَهُ فِي مَظِنَّةِ النَّجَاةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّهَا تَمْهِيدٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَالْقِتَالُ مِنْ أَهَمِّ أَغْرَاضِهَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ قَوْلُهُ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ. فَالْكَلَامُ رُجُوعٌ إِلَى قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٢١٦] وَفَصَلَتْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ الْآيَاتُ النَّازِلَةُ خِلَالَهُمَا المفتتحة ب يَسْئَلُونَكَ [الْبَقَرَة: ٢١٧، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢٢] .
وَمَوْقِعُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ قَبْلَ قَوْلِهِ: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَوْقِعُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ قَبْلَ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْخَطَابَةِ أَنْ يُقَدَّمَ الدَّلِيلُ قَبْلَ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِ لِمَقَاصِدَ
كَقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَعْضِ خُطَبِهِ لَمَّا بَلَغَهُ اسْتِيلَاءُ جُنْدِ الشَّامِ عَلَى أَكثر الْبِلَاد، إِذْ افْتَتَحَ الْخُطْبَةَ فَقَالَ: «مَا هِيَ إِلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا أُنْبِئْتُ بُسْرًا هُوَ ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ مِنْ قَادَةِ جُنُودِ الشَّامِ قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سُيَدَالُونَ مِنْكُمْ