بِوَاسِطَتِهَا حَتَّى أُشِيرَ إِلَيْهِمْ بِاتِّصَافِهِمْ بِهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِجَدَارَتِهِمْ بِالْحُكْمِ الْمُسْنَدِ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى حَدِّ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: ٥] فَلَا شَكَّ أَنَّ تِلَاوَتَهُمُ الْكِتَابَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ تُثْبِتُ لَهُمْ أَوْحَدِيَّتَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ لِأَنَّ إِيمَانَ غَيْرِهِمْ بِهِ كَالْعَدَمِ. فَالْقَصْرُ ادِّعَائِيٌّ. فَضَمِيرُ بِهِ رَاجِعٌ إِلَى (الْكِتَابِ) مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. وَإِذَا كَانُوا هُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِانْطِبَاقِ الصِّفَاتِ الَّتِي فِي كُتُبِهِمْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُمْ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِمُ الْعَهْدُ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالرَّسُولِ الْمُقَفَّى وَأَنْ يَجْتَهِدُوا فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّادِقِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْكَذَبَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا انْطِبَاقَ الصِّفَاتِ عَلَى النَّبِيءِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ ضَمِيرَ بِهِ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مُعَادٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ: يُؤْمِنُونَ بِهِ إِلَى الْهُدَى فِي قَوْلِهِ: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ [الْبَقَرَة: ١٢٠] أَيْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ فَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ رَاجِعٌ لِلْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ، أَوِ التَّوْرَاةِ فَقَطْ لِأَنَّهَا مُعْظَمُ الدِّينَيْنِ وَالْإِنْجِيلُ تَكْمِلَةٌ فَاللَّامُ لِلْعَهْدِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ مِنَ الْيَهُودِ وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ مِنَ النَّصَارَى.
وَالْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ كَالْقَوْلِ فِي أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِحُكْمِ مَفْهُومِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَفِيهِ اكْتِفَاءٌ عَنِ التَّصْرِيحِ بِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ هُمُ الرَّابِحُونَ فَفِي الْآيَةِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ فَهُمْ كَافِرُونَ فَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ هُمُ الْفَائِزُونَ وَالْكَافِرُونَ هم الخاسرون.
[١٢٢، ١٢٣]
[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : الْآيَات ١٢٢ إِلَى ١٢٣]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)
أُعِيدَ نِدَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ نِدَاءَ التَّنْبِيهِ وَالْإِنْذَارِ وَالتَّذْكِيرِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّكْرِيرِ فِي الْغَرَضِ الَّذِي سِيقَ الْكَلَامُ الْمَاضِي لِأَجْلِهِ، فَإِنَّهُ ابْتَدَأَ نِدَاءَهُمْ أَوَّلًا بِمِثْلِ هَاتِهِ الْمَوْعِظَةِ فِي ابْتِدَاءِ التَّذْكِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute