وَفَرْعُ رَشِيدٍ، وَتُعْرَفُ بِالدِّلْتَا. وَأَحْسَبُ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ يُدْعَى فَرْعُ تَنِيسَ لِأَنَّ تَنِيسَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَغَمَرَهَا الْبَحْرُ، وَلَهُ تَفَارِيعُ أُخْرَى صَغِيرَةٌ يُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا تُرْعَةٌ، مِثْلُ تُرْعَةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَهُنَالِكَ تَفَارِيعُ أُخْرَى تُدْعَى الرَّيَاحُ. وَإِنْ كَانَ مَقَرُّ مُلْكِهِ طَيْبَةَ الَّتِي هِيَ بِقُرْبِ مَدِينَةِ آبُو الْيَوْمَ فَالْإِشَارَةُ إِلَى جَدَاوِلِ النِّيلِ وَفُرُوعِهِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ لِعُيُونِهِمْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: تَجْرِي مِنْ تَحْتِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ادَّعَى أَنَّ النِّيلَ يَجْرِي بِأَمْرِهِ، فَيَكُونُ مِنْ تَحْتِي كِنَايَةً عَنِ التَّسْخِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ [التَّحْرِيم: ١٠] أَيْ كَانَتَا فِي عِصْمَتِهِمَا. وَيَقُولُ النَّاسُ: دَخَلَتِ الْبَلْدَةُ الْفُلَانِيَّةُ تَحْتَ الْمَلِكِ فُلَانٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ النَّيْلَ يَجْرِي فِي مَمْلَكَتِهِ مِنْ بِلَادِ أَصْوَانَ إِلَى الْبَحْرِ
فَيَكُونُ فِي تَحْتِي اسْتِعَارَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ تَصَارِيفِ النِّيلِ كَالِاسْتِعَارَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مَرْيَم: ٢٤] عَلَى تَفْسِيرِ (سَرِيًّا) بِنَهْرٍ، وَكَانَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ يَرُوجُ عَلَى الدَّهْمَاءِ لِسَذَاجَةِ عُقُولِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَنْهَارِ مَصَبَّ الْمِيَاهِ الَّتِي كَانَتْ تَسْقِي الْمَدِينَةَ وَالْبَسَاتِينَ الَّتِي حَوْلَهَا وَأَنَّ تَوْزِيعَ الْمِيَاهِ كَانَ بِأَمْرِهِ فِي سِدَادٍ وَخِزَانَاتٍ، فَهُوَ يهوّل عَلَيْهِم بِأَنَّهُ إِذَا شَاءَ قَطَعَ عَنْهُمُ الْمَاءَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ يُوسُفَ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [يُوسُف: ٥٩] فَيَكُونُ مَعْنَى مِنْ تَحْتِي مِنْ تَحْتِ أَمْرِي أَيْ لَا تَجْرِي إِلَّا بِأَمْرِي، وَقَدْ قِيلَ: كَانَتِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي تَحْتَ قَصْرِهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَفَلا تُبْصِرُونَ تَقْرِيرِيٌّ جَاءَ التَّقْرِيرُ عَلَى النَّفْيِ تَحْقِيقًا لِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى أَنَّ الْمُقَرِّرَ يَفْرِضُ لَهُمُ الْإِنْكَارَ فَلَا يُنكرُونَ.
[٥٢]
[سُورَة الزخرف (٤٣) : آيَة ٥٢]
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢)
أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى (بَلْ) لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ. وَالتَّقْدِيرُ: بَلْ أَأَنَا خَيْرٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ اللَّازِمُ تَقْدِيرُهُ بَعْدَهَا تَقْرِيرِيٌّ. وَمَقْصُودُهُ: تَصْغِيرُ شَأْنِ مُوسَى فِي نُفُوسِهِمْ بِأَشْيَاءَ هِيَ عَوَارِضُ لَيْسَتْ مُؤَثِّرَةً انْتَقَلَ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ نَفْسِهِ إِلَى إِظْهَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute