الْبَوْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوسَى الَّذِي جَاءَ يُحَقِّرُ دِينَهُ وَعِبَادَةَ قَوْمِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا. وَالْإِشَارَةُ هُنَا لِلتَّحْقِيرِ. وَجَاءَ بِالْمَوْصُولِ لِادِّعَاءِ أَنَّ مَضْمُونَ الصِّلَةِ شَيْءٌ عُرِفَ بِهِ مُوسَى.
وَالْمَهِينُ بِفَتْحِ الْمِيمِ: الذَّلِيلُ الضَّعِيفُ، أَرَادَ أَنَّهُ غَرِيبٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بُيُوتِ الشَّرَفِ فِي مِصْرَ وَلَيْسَ لَهُ أَهْلٌ يَعْتَزُّ بِهِمْ، وَهَذَا سَفْسَطَةٌ وَتَشْغِيبٌ إِذْ لَيْسَ الْمَقَامُ مَقَامَ انْتِصَارٍ حَتَّى يُحَقَّرَ الْقَائِمُ فِيهِ بِقِلَّةِ النَّصِيرِ، وَلَا مَقَامَ مُبَاهَاةٍ حَتَّى يُنْتَقَصَ صَاحِبُهُ بِضَعْفِ الْحَالِ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلا يَكادُ يُبِينُ إِلَى مَا كَانَ فِي مَنْطِقِ مُوسَى مِنَ الْحُبْسَةِ وَالْفَهَاهَةِ كَمَا حَكَى اللَّهُ فِي الْآيَةِ عَنْ مُوسَى وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [الْقَصَص: ٣٤] وَفِي الْأُخْرَى وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه: ٢٧، ٢٨] ، وَلَيْسَ مَقَامُ مُوسَى يَوْمَئِذٍ مَقَامَ خَطَابَةٍ وَلَا تَعْلِيمٍ وَتَذْكِيرٍ حَتَّى تَكُونَ قِلَّةُ الْفَصَاحَةِ نَقْصًا فِي عَمَلِهِ، وَلَكِنَّهُ مَقَامُ اسْتِدْلَالٍ وَحُجَّةٍ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِبْلَاغِ مُرَادِهِ وَلَوْ بِصُعُوبَةٍ وَقَدْ أَزَالَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ حِينَ تَفَرَّغَ لِدَعْوَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا قَالَ: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى [طه: ٣٦] . وَلَعَلَّ فِرْعَوْنُ قَالَ ذَلِكَ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ حَالِ مُوسَى قَبْلَ أَنْ يُرْسِلَهُ اللَّهُ حِينَ كَانَ فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ فَذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ لِيُذَكِّرَ النَّاسَ بِأَمْرٍ قَدِيمٍ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ الَّذِي بُعِثَ مُوسَى فِي
زَمَنِهِ هُوَ مِنْفِطَاحُ الثَّانِي وَهُوَ ابْنُ رَعْمَسِيسَ الثَّانِي الَّذِي وُلِدَ مُوسَى فِي أَيَّامِهِ وَرُبِّيَ عِنْدَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ (مِنْفِطَاحَ) كَانَ يَعْرِفُ مُوسَى وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ [الشُّعَرَاء: ١٨] .
وَأَمَّا رَسُولنَا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُرْسِلَ إِلَى أُمَّةٍ ذَاتِ فَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ وَكَانَتْ مُعْجِزَتُهُ الْقُرْآنَ الْمُعْجِزَ فِي بَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَكَانَتْ صِفَةُ الرَّسُولِ الْفَصَاحَةَ لِتُكُونَ لَهُ الْمَكَانَةُ الْجَلِيلَةُ فِي نُفُوسِ قَوْمِهِ.
وَمَعْنَى وَلا يَكادُ يُبِينُ وَيَكَادُ أَنْ لَا يُبِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute