للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الْخَطَأ- بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ- فَهُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ. وَفِعْلُهُ: أَخْطَأَ. وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُخْطِئٌ، قَالَ تَعَالَى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الْأَحْزَاب: ٥] . وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ هِيَ سِرُّ الْعَرَبِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَئِمَّتِهَا.

وَقَرَأَ الْجُمْهُور خِطْأً- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ-، أَيْ إِثْمًا. وَقَرَأَهُ ابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ خِطْأً- بِفَتْحِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ-. وَالْخَطَأُ ضِدُّ الصَّوَابِ، أَيْ أَنَّ قَتْلَهُمْ مَحْضُ خَطَأٍ لَيْسَ فِيهِ مَا يُعْذَرُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ.

وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ خِطَاءً- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَأَلِفٍ بَعْدَ الطَّاءِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ مَمْدُودًا-. وَهُوَ فعال من خطىء إِذَا أَجْرَمَ، وَهُوَ لُغَة فِي خطء، وَكَأَنَّ الْفِعَالَ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ.

وَأُكِّدَ بِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِهِ رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِذْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ وَأْدَ الْبَنَاتِ مِنَ السَّدَادِ، وَيَقُولُونَ: دَفْنُ الْبَنَاتِ مِنَ الْمَكْرُمَاتِ. وَأُكِّدَ أَيْضًا بِفِعْلِ (كَانَ) لِإِشْعَارِ (كَانَ) بِأَنَّ كَوْنَهُ إِثْمًا أمرا اسْتَقر.

[٣٢]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٣٢]

وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)

عَطْفُ هَذَا النَّهْيِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ وَأْدِ الْبَنَاتِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَ مِنْ أَعْذَارِهِمْ فِي وَأْدِ الْبَنَاتِ الْخَشْيَةَ مِنَ الْعَارِ الَّذِي قَدْ يَلْحَقُ مِنْ جَرَّاءِ إِهْمَالِ الْبَنَاتِ النَّاشِئِ عَنِ الْفَقْرِ الرَّامِي بِهِنَّ فِي مَهَاوِي الْعُهْرِ، وَلِأَنَّ فِي الزِّنَى إِضَاعَةَ نَسَبِ النَّسْلِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ لِلنَّسْلِ مَرْجِعٌ يَأْوِي إِلَيْهِ وَهُوَ يُشْبِهُ الْوَأْدَ فِي الْإِضَاعَةِ.

وَجَرَى الْإِضْمَارُ فِيهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ كَمَا جَرَى فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الْإِسْرَاء: ٣١] لِمِثْلِ مَا وَجَّهَ بِهِ تَغْيِيرَ الْأُسْلُوبِ هُنَالِكَ فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُنَا كَانَ مِنْ غَالِبِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.