للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْغِلْظَةُ: حَقِيقَتُهَا صَلَابَةُ الشَّيْءِ وَهِيَ مُسْتَعَارَةٌ هُنَا لِلْمُعَامَلَةِ بِالشِّدَّةِ بِدُونِ عَفْوٍ وَلَا تَسَامُحٍ، أَيْ كُنْ غَلِيظًا، أَيْ شَدِيدًا فِي إِقَامَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْثَالَهُمْ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ [١٢٣] ، وَقَوْلِهِ: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٩] .

وَالْمَأْوَى: الْمَسْكَنُ، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ أَوَى إِذَا رَجَعَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْجِعُ إِلَى مَسْكَنه.

[١٠]

[سُورَة التَّحْرِيم (٦٦) : آيَة ١٠]

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠)

أَعْقَبَتْ جُمْلَةَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ [التَّحْرِيم: ٩] الْآيَةُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَهْدِيدُهُمْ بِعَذَابِ السَّيْفِ فِي الدُّنْيَا وَإِنْذَارُهُمْ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَمَا قَارَنَ ذَلِكَ مِنْ مُقَابَلَةِ حَالِهِمْ بِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَنْ ضَرَبَ مَثَلَيْنِ لِلْفَرِيقَيْنِ بِنَظِيرَيْنِ فِي حَالَيْهِمَا لَتَزْدَادَ الْمَوْعِظَةُ وُضُوحًا وَيَزْدَادَ التَّنْوِيهُ بِالْمُؤْمِنِينَ اسْتِنَارَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْأَمْثَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٧] .

وَضَرْبُ الْمَثَلِ: إِلْقَاؤُهُ وَإِيضَاحُهُ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] .

فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا. وَهَذَا الْمَثَلُ لَا يَخْلُو مِنْ تَعْرِيضٍ بِحَثِّ زَوجي النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَاعَته وبأنّ رضى اللَّهِ تَعَالَى يتبع رضى رُسُلِهِ. فَقَدْ كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ

زَوْجَتي النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبًا وَكَانَ عَمَلُهُمَا مَا فِيهِ بَارِقَةً مِنْ مُخَالَفَةٍ، وَكَانَ فِي الْمَثَلَيْنِ مَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِالْحَالَيْنِ.

وَتَعْدِيَةُ ضَرَبَ بِاللَّامِ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ تُفِيدُ أَنَّ إِلْقَاءَ الْمَثَلِ لِأَجْلِ مَدْخُولِ اللَّامِ.

فَمَعْنَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُ أَلْقَى هَذَا التَّنْظِيرَ لِأَجْلِهِمْ، أَيِ اعْتِبَارِهِمْ بِهِمْ وَقِيَاسِ حَالِهِمْ عَلَى حَالِ الْمُمَثَّلِ بِهِ، فَإِذَا قِيلَ: ضَرَبَ لِفُلَانٍ مَثَلًا، كَانَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ قَصَدَهُ بِهِ وَأَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف: ٥٨] .