للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْبُلُوغُ: مَجَازٌ فِي حُلُولِ الْإِبَّانِ، وَجَعَلَ نَفْسَهَ هُنَا بَالِغًا الْكِبَرَ وَفِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ [٤٠] قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ لِأَنَّ الْبُلُوغَ لَمَّا كَانَ مَجَازًا فِي حُصُولِ الْوَصْفِ صَحَّ أَنْ يُسْنَدَ إِلَى الْوَصْفِ وَإِلَى الْمَوْصُوفِ.

وَالْعُتِيُّ- بِضَمِّ الْعَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ- مَصْدَرُ عَتَا الْعُودُ إِذَا يَبُسَ، وَهُوَ بِوَزْنِ فُعُولٍ أَصْلُهُ عُتُووٌ، وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ تُصَحَّحَ الْوَاوُ لِأَنَّهَا إِثْرَ ضَمَّةٍ وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَثْقَلُوا تَوَالِيَ ضَمَّتَيْنِ بَعْدَهُمَا وَاوَانِ وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ- ضَمَّتَيْنِ- تَخَلَّصُوا مِنْ ذَلِكَ الثِّقَلِ بِإِبْدَالِ ضَمَّةِ الْعَيْنِ كَسْرَةً ثُمَّ قَلَبُوا الْوَاوَ الْأُولَى يَاءً لِوُقُوعِهَا سَاكِنَةً إِثْرَ كَسْرَةٍ فَلَمَّا قُلِبَتْ يَاءً اجْتَمَعَتْ تِلْكَ الْيَاءُ مَعَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ لَامٌ، وَكَأَنَّهُمْ مَا كَسَرُوا التَّاءَ فِي عُتِيٍّ بِمَعْنَى الْيُبْسِ إِلَّا لِدَفْعِ الِالْتِبَاسِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُتُوِّ الَّذِي هُوَ الطُّغْيَانُ فَلَا مُوجِبَ لِطَلَبِ تَخْفِيفِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ.

شَبَّهَ عِظَامَهُ بِالْأَعْوَادِ الْيَابِسَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ، وَإِثْبَاتُ وَصْفِ الْعُتِيِّ لَهَا اسْتِعَارَة تخييلية.

[٩]

[سُورَة مَرْيَم (١٩) : آيَة ٩]

قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)

فُصِلَتْ جُمْلَةُ قالَ كَذلِكَ لِأَنَّهَا جَرَتْ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَةِ. وَهِيَ جَوَابٌ عَنْ تَعَجُّبِهِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إِبْطَالُ التَّعَجُّبِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مَرْيَم: ٨] . فَضَمِيرُ قالَ عَائِدٌ إِلَى الرَّبِّ مِنْ قَوْلِهِ قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ [مَرْيَم: ٨] .

وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ كَذلِكَ إِلَى قَوْلِ زَكَرِيَّاءَ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا. وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مَفْعُولٌ لِفِعْلِ قالَ رَبُّكَ،