[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٦٦]
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦)
هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرَى وَمِنَّةٌ مِنَ الْمِنَنِ النَّاشِئَةِ عَنْ مَنَافِعِ خَلْقِ الْأَنْعَامِ، أُدْمِجَ فِي مِنَّتِهَا الْعِبْرَةُ بِمَا فِي دَلَالَتِهَا عَلَى بَدِيعِ صُنْعِ اللَّهِ تَبَعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ إِلَى قَوْله: لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [سُورَة النَّحْل: ٥- ٧] .
وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ هُنَا أَنَّ بِأَلْبَانِ الْأَنْعَامِ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ كَمَا تَحْيَا الْأَرْضُ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَأَنَّ لِآثَارِ مَاءِ السَّمَاءِ أَثَرًا فِي تَكْوِينِ أَلْبَانِ الْحَيَوَانِ بِالْمَرْعَى.
وَاخْتَصَّتْ هَذِهِ الْعِبْرَةُ بِمَا تُنَبِّهُ إِلَيْهِ مِنْ بَدِيعِ الصُّنْعِ وَالْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ الْأَلْبَانِ بِقَوْلِهِ:
مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً، ثُمَّ بِالتَّذْكِيرِ بِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَى النَّاسِ إِدْمَاجًا لِلْعِبْرَةِ بِالْمِنَّةِ.
فَجُمْلَةُ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [سُورَة النَّحْل: ٦٥] ، أَيْ كَمَا كَانَ الْقَوْم يَسْمَعُونَ عِبْرَةٌ فِي إِنْزَالِ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ عِبْرَةٌ أَيْضًا، إِذْ قَدْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ.
وَضَمِيرُ الْخِطَابِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ. وَتَوْكِيدُهَا بِ إِنَّ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ كَتَأْكِيدِ الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا.
والْأَنْعامِ: اسْمُ جَمْعٍ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْ أَحَدِ أَصْنَافِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ.
وَالْعِبْرَةُ: مَا يُتَّعَظُ بِهِ وَيُعْتَبَرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نِهَايَةِ سُورَةِ يُوسُفَ.
وَجُمْلَةُ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْبَيَانِ لِجُمْلَةِ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً.
وَالْبُطُونُ: جَمْعُ بَطْنٍ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَوْفِ الْحَاوِيَةِ لِلْجِهَازِ الْهَضْمِيِّ كُلِّهِ مِنْ مَعِدَةٍ وَكَبِدٍ
وَأَمْعَاءَ.