مِنْ شَيْءٍ [سُورَة الرّوم: ٤٠] . وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ دُونَ الْإِضْمَارِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِقَصْدِ التَّنْوِيهِ بِالْخَبَرِ إِذِ افْتُتِحَ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الِاسْمِ الْعَلَمِ أَوْضَحُ وَأَصْرَحُ. فَهُوَ مُقْتَضَى مَقَامِ تَحْقِيقِ الِانْفِرَادِ بِالْخَلْقِ وَالْإِنْعَامِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ شُرَكَائِهِمْ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ فَاعِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ: إِخْرَاجُ مَا فِيهِ الْحَيَاةُ، وَهُوَ الْكَلَأُ وَالشَّجَرُ. وَمَوْتُهَا ضِدُّ ذَلِكَ، فَتَعْدِيَةُ فِعْلِ (أَحْيَا) إِلَى الْأَرْضِ تَعْدِيَةٌ مَجَازِيَّةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ الْعِبْرَةِ فِي آيَةِ نزُول الْمَطَر هُنَا لَك.
وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً مُسْتَأْنَفَةٌ. وَالتَّأْكِيدُ بِ إِنَّ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَهْتَدِ بِذَلِكَ إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ يُنْكِرُونَ أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ قَدْ عَلِمُوا دَلَالَتَهُ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، أَيْ يُنْكِرُونَ صَلَاحِيَةَ ذَلِكَ لِلِاسْتِدْلَالِ.
وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ دُونَ الضَّمِيرِ لِيَكُونَ مَحَلُّ الْآيَةِ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ إِنْزَالِ الْمَطَرِ وَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بِهِ وَمَوْتِهَا مِنْ قَبْلِ الْإِحْيَاءِ.
وَالْكَلَامُ فِي «قَوْمٍ يَسْمَعُونَ» كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سُورَة النَّحْل:
٦٤] .
وَالسَّمْعُ: هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ، وَهُوَ سَمَاعُ التَّدَبُّرِ
وَالْإِنْصَافِ لِمَا تَدَبَّرُوا بِهِ. وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَمْ يَفْهَمُوا دَلَالَةَ ذَلِكَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ. وَلِذَلِكَ اخْتِيرَ وَصْفُ السَّمْعِ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِنْصَافُ وَالِامْتِثَالُ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَطَرِ وَحَيَاةَ الْأَرْضِ بِهِ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ وَدَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرَةٌ لَا يَصُدُّ عَنْهَا إِلَّا المكابرة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute